في عِلةِ الحاجةِ إلى الجيوشِ وقواتِ فرضِ القانون في المجتمعات البشرية

أولَت المجتمعاتُ البشرية مسألةَ حفظِ أمنها الداخلي وأمانها الخارجي أقصى درجاتِ الاهتمام، وذلك منذ بداية نشأةِ أول تجمعٍ بشري أضحى لاحقاً نواةَ أولِ مجتمعٍ بشري عرفه التاريخ. فالإنسانُ مخلوقٌ عجيب؛ فأنت تراه أحياناً كائناً مسالماً محباً لفعل الخيرِ مسارعاً إلى نجدةِ الضعيف وإغاثةِ الملهوف، وتراه احياناً اخرى كياناً جباراً متغطرساً لا يألو جهداً ولا يدخرُ وسعاً للتعبيرِ عما يجولُ ب

في خاطره ويجيشُ في قلبه من نوازعَ ورغبات إن لم يُقَّدر لأحدٍ أن يتصدى له فيثنيه عن المضي قدماً مؤتمراً بأمرها كانت العاقبةُ وخيمةً عليه وعلى غيره! ولأن الجماعةَ الإنسانية تتكونُ من أُناسٍ هذا هو ديدنُ الواحدِ منهم في التعاملِ “غيرِ المتزن”، فإن تفويضَ أمرِ العملِ للحيلولةِ بينه وبين ما تريدُه نفسه، إلى طائفةٍ تتوافق هذه الجماعةُ على إيلائها هذه المهمة، هو مما لابد منه إذا ما أُريد لأي كيانٍ ينشأُ عن هذه الجماعةِ أن يحافظ على كينونته وأن يضطردَ نموه فلا يتلاشى أدراجَ الرياح. 
ومن هنا نشأت فكرةُ إنشاء “قوةٍ لفرض القانون” الذي تواضعت الجماعةُ الإنسانية على قيام أفرادِها بفعل كل ما يقتضيه الأمر حتى يصارَ الى فرض هذا القانون شريطة أن يتقيد أفرادُ هذه الطائفة بما نصَّت عليه مواد هذا القانون في التعامل مع من يروم الخروجَ عليه أو يشرعُ بذلك. ولقد اتخذت هذه القوة لها أسماءً تباينت في مبناها وتوافقت في معناها وذلك على قدر تعلق الأمر بما ينبغي أن يكون عليه سلوكُ هذه “القوة”. فكان أن نشأت “الشرطةُ” وكان أن تعددت أسماؤها بتباين وتعدد المجتمعات البشرية على مر العصور وكَرِّ الدهور.
وينسحب ما تقدم ذكره على “القوةِ” التي تعيَّن على كل مجتمعٍ بشري أن يَفرِدَ لها أفراداً من أبناءه يُعهَدَ إليهم بمهمة المحافظة على سلامةِ ذلك المجتمع وذلك بالعمل على صدِ أي عدوانٍ خارجيٍ عليه والبقاء دوماً على أهبة الاستعداد للذود عن الحِمى. ويشتمل ذلك على كل ما يتطلبه الأمر من جهدٍ استخباري داخلي وخارجي، وذلك حتى لا يباغتُ العدو الحِمى ويأخذُه على حينِ غفلةٍ من أهله.
فلماذا تجشمت المجتمعات البشرية كلَ هذا العناء؟ ولماذا كانت المجتمعات تتباينُ فيما بينَها وتتمايزُ أيُها جيشه هو الأكثر عديداً وعُدة؟ ولماذا كان لزاماً على كلِ مجتمع بشري أن يفكرَ ملياً في تقوية جبهته الداخلية ب “قوات فرض القانون” وتحصين جبهته الخارجية بجيشٍ يحرص الحرص كلَه على أن يكون الغالب على أمره؟ 
يتكفل بالإجابة على ما تقدم من أسئلة أن نستذكر”قانون التواجدِ الإنساني” في هذه الحياة الدنيا، والذي ذكره الله تعالى في قرآنه العظيم في مواطنَ ثلاثةٍ منه:
1- (وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَىٰ حِينٍ) (من ٣٦ البقرة).
2- (قَالَ اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ ۖ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَىٰ حِينٍ) (٢٤ الأعراف).
3- (قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا ۖ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ) (من ١٢٣ طه).
يتبين لنا، وبتدبر ما تقدَّم، أن “قانونَ التواجد الإنساني” على أرضنا هذه قد أوجزه قرآن الله العظيم بقولٍ هو “الحكمةُ البالغةُ” و “فصلُ الخطاب”، وذلك بكلماتٍ قلائل هُن: “بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ” .
وهكذا تبيَّنت لنا العلةُ من وراء حاجتنا الى الجيوش وقوات فرض القانون. فلا أحدَ يعلمُ من سيفعل ماذا؟ ولماذا؟ 

أضف تعليق