من تجليات “صرف الله” في حياة سيدنا يوسف عليه السلام

ما كان اللهُ ليذرَ سيدَنا يوسف عليه السلام تنفردُ به أحداثُ الدهرِ ونوائبُهُ دون أن تمتدَّ إليه يدُ قدرتِهِ تعالى لتحولَ دون أن يجريَ عليه ما يجري على غيرِهِ من بني آدمَ ممن كان واحدُهم أبعدَ ما يكونُ عن تفويض الأمرِ إلى الله وعن الإحسان. فسيدُنا يوسف كان من عبادِ اللهِ المُخلَصين الذين اختصَّهم اللهُ بما فصَّلته سورةُ الأعراف في الآية الكريمة 196 منها (إِنَّ وَلِيِّيَ اللَّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ). ولأنَ سيدَنا يوسف كان من عبادِ اللهِ المخلَصين الصالحِين المحسنين، فلقد كان حقيقاً على الله أن يتدخَّلَ في حياتِه عليه السلام تدخلاً مباشراً يتجلى فيه تسلُّطُه تعالى على أسبابِ الوجودِ وقوانينِه تسلُّطاً يحولُ دون أن تنالَ منه عليه السلام أحداثُ الدهرِ ونوائبُه. وهذا هو عينُ ما تحقَّقَ في مرتين اثنتين، إذ صرفَ اللهُ تعالى في إحداهما عن سيدِنا يوسف السوءَ والفحشاءَ، وصرفَ عنه عليه السلام في الأخرى كيدَ امرأةِ العزيز وصاحباتِها.
لنتدبر ما جاءتنا به سورةُ يوسف في الآيتين الكريمتين: (كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِين) (من 24 يوسف)، (وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِين) (من 33 يوسف). فاللهُ تعالى ما كان لِيَدَعَ أحداثَ الدهرِ ونوائبَه تفعلُ في سيدِنا يوسف ما تفعلُه في غيرِه من بني جِلدتِه البشر ممن آثرَ واحدُهم أن ينصاعَ ويمتثلَ لما تأمرُ به النفسُ وهواها على الانصياعِ والامتثالِ لما يأمرُ به اللهُ. ولولا أنَّ اللهَ تعالى كان لسيدِنا يوسفَ خيرَ حافظٍ، لتمكنَّت منه عليه السلام أحداثُ الدهرِ ونوائبُهُ؛ هذه الأحداثُ والنوائبُ التي لا قدرةَ لابنِ آدمَ على أن يتفادى سهامَها ويُفلِتَ من شديدِ مِحالِها، إن لم يكن من عبادِ اللهِ المُخلَصين الصالحين المحسنين ليستحقَّ بذلك أن تحولَ يدُ اللهِ تعالى بينه وبينها.

أضف تعليق