ندوبُ الخَطيئة

كُلُّ جُرحٍ عميقٍ يترُكُ وراءَهُ الندوبَ حتّى بعدَ الشفاء. غالبًا ما تكونُ تِلكَ الأخيرة بحجمِ الجُرحِ وعلى شكلِهِ، تبقى علامةً في أجسادِنا، تُذكِّرُنا بما قاسَينا، وتُذكِّرُنا أيضًا أنَّنا شُفينا مُتغِّلبينَ على الجراح.

هكذا الخطيئة، متى شُفينا مِنها تترُكُ الندوبَ. هذا لا يعني أنَّ سرَّ التوبة متى نِلناهُ لا يمحي خطايانا بالكامل. فسرُّ التوبة حقيقيٌّ، اختبرتُهُ، يمحي جميعَ الخطايا مهما كان حجمُها، لأنَّ اللهَ حنونٌ رحومٌ مُحبُّ البَشَر، وقَد أرادَ الحياةَ بوفرةٍ لكُلِّ واحدٍ منَّا (يو 10، 10)، وهو يمحو كالسحابِ معاصيَنا (أش 44، 22)، وإذا كانت خطايانا كالقرمز فهو يُبيّضُها كالثلج (أش 1، 18).

لكنَّ الخطايا القديمة، تترُكُ فينا ندوبًا حتّى بعدَ الشفاء. نعتقدُها أحيانًا، بسببِ ضعفِنا البشريّ، انتقامًا إلهيًّا سبَّبَتهُ خطايانا، أو ثقلًا لَم يُرفع عنّا لا بُدَّ مِن حملِهِ. أمّا في الواقع فتِلكَ الندوب ليسَت تشوّهات. بل إنّها جمالات. وجمالُها يدعونا لتأمُّلِها.

الندوبُ علامةٌ حسيَّةٌ لرحمةِ الله الّذي يُقيمُنا مِن وهدة المَعصية. فيها نرى كَم عظُمَت رحمةُ الربِّ، حتّى شالَ عَنَّا أحمالنا الثقيلة، وجعَلَها فوقَ أكتافِهِ هو، كي لا نبقى نحنُ رازِحينَ تحتَها. فوقَ جراحِنا جعَلَ الربُّ يدَهُ، ضمَّدَها، وسكَبَ الزيتَ والخمرَ ليداوينا (لوقا 10، 33). طابَ الجِرحُ، وبقيَت الندوبُ، تفوحُ عِطرَ الربِّ الشافي، وتشهدُ كَم هو رحومٌ.

إنَّ التأمُّل في ندوبِ خطايانا يقينا السقوطَ مِن جديد. ففيها ذكرى الألَمِ الناتِجِ عن انجرارِنا خَلفَ أهوائنا. ومتى رأيناها في وسطِ التجارِب، شدَدنا العزيمةَ وجاهَدنا، كي لا نسقُطَ مِن جديد، مُدركينَ نتيجةَ السقوطِ في الخطيئة، وحَجمَ الألمِ الناتجِ عنها.

وهي تشهدُ أيضًا كَم جاهدنا نحنُ ضِدَّ الخطيئة، وكَم احتمَلنا حُبًّا بالمسيح. فلا شيءَ يستحيلُ علينا متى أردنا اتّباعَهُ، فقُمنا، نسيرُ خَلفَهُ، مُتَّكِلينَ عليهِ، واثقينَ برحمتِهِ.

وكَم جميلٌ أن نَسمَحَ للآخرينَ التعلُّمَ مِن ندوبِنا، فنقيهِم مِن التعثُّرِ والوقوعِ حيثُ وقعنا نحنُ. ندوبُنا نحمِلُها علامةً للآخرين أيضًا، كما حمَلَ المُخلَّعُ سريرَهُ نحمِلُها (مر 2، 1-12)، فلا يبقَ بعيدٌ عَن رحمةِ الله غيرِ المُتناهية. يا لها نعمةً تُرتجى، أن تَجلِبَ ندوبُنا الخطأةَ للتوبة.

تبارَكَ الربُّ لأجلِ صبرِهِ وطولِ أناتِهِ. تبارَكَ الربُّ لأجلِ كثرةِ رحمتِهِ. تباركَ لأنَّهُ رفعَ عنّا كُلَّ أحمالِنا. تباركَ لأنَّهُ غفَرَ جميعَ آثامِنا. تبارَكَ لأنّهُ افتدانا. تباركَ الربُّ، فقَد أقامَنا مِن وهدةِ الموت، وأعطانا الحياةَ بوفرة.

أضف تعليق

المدونة على ووردبريس.كوم. قالب: Baskerville 2 بواسطة Anders Noren.

أعلى ↑