كيف نوقف الإرهاب؟ | رأي سريع

كيف نوقف الإرهاب؟
قبل أن نغوص في جواب هذا السؤال دعونا نفكك ظاهرة الإرهاب، في نقاط:

1- أهمّ شيء صفة للإرهاب أنه حلقة تغذي نفسها، فإذا حصل حادث إرهابيّ فإن الرعب الذي يبثه هذا الحادث يكون سببا مساعدا في حادث إرهابيّ لاحق له. (الاختصاريقتضي ألا أشرح هذه النقطة).
2- التطرف سواء كان دينيا أو سياسيا له سببان رئيسان:
الأول: الدوغما، وهي للتبسيط الأفكار المغلقة على نفسها، ولا تحمل بذور تجاوزها فيها.
مثلا – أنا أصنف نفسي كقومي عربي لكني لن أظل قوميا إذا انتفت الشروط الوجودية التي تجعل غالبية الدول في العالم دولا قومية. ضمن أدبيات القومية نجد أن من مبررات الفكر القومي هو الشرط الوجودي للعالم اليوم، والجغرافيا السياسية وسواها، فإذا تغيرت المعادلة وأصبح الوجود البشري غير محكوم بالقوميات، فقد لا أنادي بالقومية حينها، إذا لم تمثل وضعا أفضل.
أما القومي الدوغمائي فهو يتعصب لقوميته دون أن ينظر في مبررات الفكر القومي، ولهذا فهو قد يقع ضحية التطرف بسهولة، وهذا ما نراه في القومية العرقية الشوفينية في أوروبا والغرب عموما.
الثاني: اليأس من الحوار، فمن لا يعتقد بإمكانية أخذ رأيه في اعتبار جماعته يغلب عليه أن ينفصل عنهم شعوريا. ولا يتوقع ممن يشعر بفاعليّته أن يلجأ للعنف، أو أن ينتحي جانبا في حالة من الاغتراب عن مجتمعه.
مثلا- لنفترض أنّك تحقق تقدّما ما على صعيد تغيير النظام التعليمي، فإنك ستشعر بالمسؤولية تجاه مجتمعك، ولن تخرج أبناءك من المدارس لصالح الدراسة المنزلية، حيث يعدّ هذا سلوكا انعزاليا، بل من المتوقع أن تعمل مع مدرسة أبنائك في سبيل إصلاحها.
3- التطرف بيئة مناسبة للإرهاب وليس هو الإرهاب نفسه.
أي أنّ المتطرف أمامه طيف واسع من الخيارات، من ضمنها الاغتراب عن المجتمع، واعتناق نظريات المؤامرة، والاحتجاج بالصمت، إلى ذلك… لكنّ أغلب الإرهابيين هم متطرفون.
أي أن الربط بين التطرف والإرهاب قد يكون دقيقا جدا، وقد يكون في أحيان أخرى عشوائيا، فهي علاقة باتجاه واحد.
4- الإرهاب قلّما يكون سلوكا فرديا.
إن حاجة الإنسان للتأقلم والانخراط في جماعة، تحول بينه وبين انتهاج العنف، إلا إذا توفّرت له جماعة توافقه على انتهاج العنف، فمن كان متطرفا في مجتمع ويشعر بكونه فردا منعزلا، من المتوقع أن يلوم نفسه. أمّا من رأى جماعة (أقليّة) تلبي له حاجة الانتماء، وتوافقه على فكرته، فإنه قد يلجأ للعنف.
5- الإرهاب يحتاج لمهارات خاصة.
أي أنه حتى لو وجدنا شخصا متطرفا يميل إلى العنف، فلن يتحول إلى إرهابيّ في هذا العصر بسهولة، فهو يحتاج أن يعرف ماذا يفعل، وكيف يفعله.
مثلا – ليس متوقعا من شخص ليس له خلفية عسكرية، أو علمية عن المتفجرات أن يركّب متفجرة.
إنّ هذا يجعلنا نبحث في سهولة الوصول لمعلومات ومهارات تساعد المتطرف الميال إلى العنف للتحول إلى إرهابي، وهذه للأسف متوفرة في شبكة الإنترنت، لاسيما من مصادر أمريكية!
6- السلوك البشري عموما يحتاج في الغالبية القصوى إلى نماذج سابقة، ولذلك فالإرهابيّ يحتاج إلى نماذج يتطلع إليها.
لو افترضنا أن مواطني دولة ما، كانوا يستبعدون كل صاحب سلوك إرهابيّ، ويلعنون الإرهابيين، ولا يفتحون لهم دور عزاء عندما يقتلون، ولا يعدّونهم أبطالا إذا قاتلوا في دول أخرى، فإنه من المستبعد أن ينتج هذا المجتمع إرهابيين جددا، لأن المتطرف الميال إلى العنف سيعيد حساباته، وسيخاف من براءة عشيرته من سلوكه، ومن انطباع أيتامه عنه.
7- يمكن تركيب نموذج متخيل للسلوك البشري من عدد من النماذج السابقة.
أي أن النقطة السابقة ليست قطعية، فالإنسان يستطيع أن يعيد اختراع نماذج تساعده على فعل ما، من خلال مزج نماذج أخرى، وهكذا فعل الإرهابيّ الأول في تاريخ البشرية، وكذلك كل إرهابيّ لم يكن يقتدي بإرهابيّ قبله.
8- السلوك البشري يحتاج نوعا من الاستثمار.
أي أن الإنسان الذي لا يرى في فعل يفعله استثمارا ما، يستبعد أن يقدم على الفعل حينها. للتوضيح أكثر، نقول:
إذا لم يشعر الإرهابيّ بجدوى إرهابه فإنه سيفكر ألف مرة قبل أن يدفع ثمن سلوكه هباء، ولذلك فإن إيقاف مناشط المجتمع الطبيعية في حال وجود حدث إرهابيّ يعدّ خطأ كبيرا، إذا كان ناتجا عن الإفراط في الحرص، ولم يكن له سبب واقعيّ.
9- السلوك البشري ينطوي على فلسفة ما، على سردية كبرى.
إذا لم يكن لدى الفرد فلسفة تبرر له الإرهاب، أو مقولة يرى من خلالها معنى لحياته (سردية كبرى) فإنه من المستبعد أن يلجأ له.
حتى الانتحاريون الكاميكاز في اليابان كانوا يعتقدون أن أرواحهم ستصبح طيورا في حديقة الإمبراطور.
هذه النقاط التسعة بنيت على طريقة تحليل الفعل البشري، الفعل البشري يحلل في عدد من المستويات التي تصنع المعنى:
)المستوى (مثال عن حالة الإرهاب
الفعل ذاته (امتلاك السلاح، مهارة استخدامه، القدرة على تركيب المتفجرات، وجود جماعة)
الدافع (التصديق بأن الإرهاب سيكون مجديا، اليأس من الإصلاح)
الاستثمار(وقف نشاطات مهرجان ما، إعادة المجتمع إلى نقاش قضية يؤيدها الإرهابي)
النموذج (أسامة بن لادن، الساموراي، المقاتلون في سوريا)
الفلسفة (الحياة موقف، نحن في دار بلاء، نحن ننتظر المهدي)
كل مستوى من هذه المستويات لا يعمل لوحده، لابد أن يكون الإرهاب حاضرا فيها كلها ليحدث، ولأن الناس تخلط بين هذه المستويات، ولا تحلل الفعل في مستوياته كلها، فإن الإرهاب محط جدل، فمن الناس من يعزوه للدوغما الدينية وحدها، ومنهم من يعزوه لوجود ما يضايق الإرهابي من مهرجانات وغيرها، ومنهم من يعزوه لسهولة الوصول إلى المهارات اللازمة للإرهاب… إلخ
إذا أردنا التصدي للإرهاب، ويغلب على ظني أن غالبية المجتمعات العربية تريد التصدي له، فإن علينا أخذ كل نقطة من النقاط السابقة، والوقوف عندها، ومحاولة قلبها إلى شيء آخر.
هكذا فإن كثيرا من تصرفاتنا التي تلي الحدث الإرهابيّ، ويكون المقصد منها التصدي للإرهاب، هي بطريقة أو بأخرى مساعد عليه أكثر من كونها عقبة في طريقه.