«النقض»: لابد أن تشتمل صحيفة الطعن بالنقض على بيان الأسباب

أكدت محكمة النقض في حكمها بالطعن رقم ١٦٨١ لسنة ٩١ قضائية، أن المادة ٢٥٣ من قانون المرافعات إذ أوجبت أن تشتمل صحيفة الطعن بالنقض على بيان الأسباب التى بنى عليها الطعن وإلا كان باطلاً إنما قصدت بهذا البيان أن تحدد أسباب الطعن وتُعرف تعريفاً واضحاً كاشفاً عن المقصود منها كشفاً نافياً عنها الغموض والجهالة، بحيث يبين منها العيب الذى يعزوه الطاعن إلى الحكم وموضعه منه وأثره فى قضائه ومن ثم فإن كل سبب يراد به التحدى به يجب أن يكون مبيناً بياناً دقيقاً.

المحكمــــة

وحيث إن الوقائع – على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن – تتحصل فى الشركة الطاعنة أقامت الدعوى رقم ٦٤ لسنة ١٣٧ ق تحكيم أمام محكمة استئناف القاهرة قبل الشركة المطعون ضدها بطلب الحكم ببطلان حكم التحكيم الصادر بتاريخ ٢٨/٦/٢٠٢٠ فى الدعوى التحكيمية المقيدة برقم ١٣٠١ لسنة ٢٠١٨ لدى مركز القاهرة الإقليمى للتحكيم التجارى الدولى بإلزام كل طرف بالعديد من المبالغ النقدية والادعاءات المادية، وبيانا لذلك قالت إنه بموجب العقد المؤرخ ٦/٨/٢٠١٧ أسندت للشركة المطعون ضدها توريد وشحن وتسليم أجهزة ومعدات مركز رياضى وتخليصها جمركياً لحسابها، وعلى إثر تقاعس المطعون ضدها عن تنفيذ تلك الالتزامات لجأت إلى التحكيم إعمالاً للشرط الوارد فى محضر الاستلام الملحق بالعقد سالف البيان، ووجهت المطعون ضدها دعوى تحكيمية قبل الطاعنة ثم صدر الحكم المشار اليه، وبتاريخ ٩/١٢/٢٠٢٠ قضت المحكمة برفض دعوى البطلان، وقضاء هذا الحكم هو محل الطعن بالنقض، أودعت النيابة العامة مذكرة أبدت فيها الرأى بنقض الحكم المطعون فيه، عُرض الطعن على هذه المحكمة فى غرفة مشورة فحددت جلسة لنظره، وفيها التزمت النيابة رأيها.

وحيث إن الطعن أقيم على سببين تنعى الطاعنة بالسبب الأول منهما على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون والخطأ فى تطبيقه وتقول فى بيان الشق الأول من الوجه الأول من السبب الأول بأنها تمسكت أمام محكمة الموضوع ببطلان حكم التحكيم لإخلاله بحقها فى الدفاع وما يقتضيه من مبدأ المواجهة بين الخصوم المتعلق بالنظام العام، ذلك لتضمنه مسائل لم يسبق طرحها بين الخصوم أو بين هيئة التحكيم والخصوم، وإذ التفت الحكم المطعون فيه عن الرد على ذلك الدفاع على الرغم من قيامها بتقديم المستندات المؤيدة له فإنه يكون معيباً مما يستوجب نقضه.

وحيث إن هذا النعى غير مقبول – وذلك بأن المقرر – فى قضاء هذه المحكمة – أن المادة ٢٥٣ من قانون المرافعات إذ أوجبت أن تشتمل صحيفة الطعن بالنقض على بيان الأسباب التى بنى عليها الطعن وإلا كان باطلاً إنما قصدت بهذا البيان أن تحدد أسباب الطعن وتُعرف تعريفاً واضحاً كاشفاً عن المقصود منها كشفاً نافياً عنها الغموض والجهالة، بحيث يبين منها العيب الذى يعزوه الطاعن إلى الحكم وموضعه منه وأثره فى قضائه ومن ثم فإن كل سبب يراد به التحدى به يجب أن يكون مبيناً بياناً دقيقاً. لما كان ذلك، وكانت الطاعنة لم تبين ماهية الطلبات الجديدة التى تنعى على الحكم المطعون فيه أنه أغفل الرد عليها وأوردتها فى مذكراتها، فإن النعى يكون نعياً مجهلاً غير مقبول.

وحيث إن الطاعنة تنعى بالشق الثانى من الوجه الأول من السبب الأول بأنها تمسكت أمام محكمة الموضوع ببطلان حكم التحكيم لإخلاله بمبدأ المداولة المتعلق بالنظام العام، ذلك أن الرأى النهائى للمحكم المعارض وضع عقب إطلاعه على المسودة المسلمة إليه والتى لم تتضمن التعديل والحذف الوارد ببعض أجزاء حكم التحكيم النهائى، وإذ التفت الحكم المطعون فيه عن الرد على ذلك الدفاع المؤيد بالمستندات فإنه يكون معيباً مما يستوجب نقضه.

وحيث ان هذا النعى على غير أساس ذلك بأن النص فى المادة (٢٠) من قانون المرافعات المدنية والتجارية على أن “يكون الإجراء باطلًا إذا نص القانون صراحة على بطلانه أو إذا شابه عيب لم تتحقق بسببه الغاية من الإجراء، ولا يحكم بالبطلان رغم النص عليه إذا ثبت تحقق الغاية من الإجراء”. يدل على أن الأساس فى تقرير البطلان هو تحقق الغاية من الشكل أو عدم تحققها دون تفرقة بين حالة النص على البطلان أو عدم النص عليه وذلك أياً كان العمل الإجرائى ولو كان حكماً قضائياً، وسواء تعلق الشكل بالمصلحة الخاصة، أو بالنظام العام حماية للمصلحة العامة، عندما تكون مخالفة الشكل من شأنها المساس بأسس التقاضى وضمانات المتقاضى، كتخلف مبدأ المواجهة القضائية سواء فى الإجراءات أو فى الإثبات بما يسمى حضورية الأدلة، وكل ما يخل بحق الدفاع.

ويعتبر تفسير ما هى الغاية من الشكل القانونى مسألة قانونية يخضع فيها القاضى لرقابة محكمة النقض، فلا يستطيع أن يذهب إلى أن الغاية من الشكل هى غاية معينة غير تلك التى أرادها المشرع، بيد أن تحقق الغاية فى حالة معينة أو عدم تحققها مسألة موضوعية من سلطة قاضى الموضوع الذى لا يلزم إلا بتسبيب حكمه تسبيباً كافياً بأن يبين بطريقة محددة تحقق الغاية من عدمه، فإذا حكم بالبطلان المنصوص عليه رغم تحقق الغاية أو رفض الحكم بالبطلان غير المنصوص عليه رغم إثبات تخلف الغاية كان الحكم مخالفاً للقانون واجب الإلغاء إذا طعن فيه.

لما كان ذلك، وكان البين من مطالعة حكم التحكيم والمقدم من الطاعنة رفق صحيفة الطعن بالنقض موضوع التداعى أن صفحته الأخيرة اشتملت على توقيع أعضاء هيئة التحكيم التى أصدرته، وهو ما يدل على حصول المداولة بينهم فيما تضمنه أسباب الحكم ومنطوقه على النحو الذى تطلبه القانون وتتحقق به الغاية التى استهدفها المشرع من النص على توقيع المحكمين على حكم التحكيم – دون أن يشترط توقيعهم على جميع صفحاته – وهى التحقق من حدوث مداولة قبل إصداره، وإذ لم تثبت الطاعنة أو تدع عدم حصول مداولة بين أعضاء هيئة التحكيم قبل إصدار حكم التحكيم فإنه يكون مبرأً من عيب البطلان لهذا السبب، وإذ انتهى الحكم المطعون فيه فى قضائه إلى هذه النتيجة التى تتفق وصحيح القانون فإن النعى عليه يضحى على غير أساس.

وحيث إن الطاعنة تنعى بالشق الأول من الوجه الثانى من السبب الأول من أن مفاد المادتين رقمى ١٦/٣ من قانون التحكيم، و١١/٣ من قواعد مركز القاهرة الإقليمى للتحكيم اشتراط تقديم المحكم إقراراً مكتوباً بحيديته واستقلاله قبل مباشرة مهام عمله، وإذ لم يفصح رئيس هيئة التحكيم ومحكم الشركة المطعون ضدها عن علاقتهما بمحامى الشركة الأخيرة التزاماً بالمادة ١١/١ من قواعد المركز آنف الذكر، فمن ثم يكون حكم التحكيم باطلاً عملاً بالمادة ٥٣/١/ هـ من قانون التحكيم، وإذ خالف الحكم المطعون فيه هذا النظر على الرغم من قيامها بتقديم المستندات المؤيدة لأقوالها، فأنه يكون معيباً بما يستوجب نقضه.

وحيث إن هذا النعى غير مقبول، ذلك أن النص فى المادة ١٦(٣) من قانون التحكيم فى المواد المدنية والتجارية على أن “يكون قَبول المُحَكَم القيام بمهمته كتابةً، ويجب عليه أن يُفصح عند قَبوله عن أية ظروف من شأنها إثارة شكوك حول استقلاله أو حيدته”، وفى المادة ١٨(١) من ذات القانون على أنه “لا يجوز رد المُحَكَم إلا إذا قامت ظروف تثير شكوكاً جدية حول حيدته أو استقلاله”، وفى المادة ٥٣ منه على أنه “١- لا تُقبل دعوى بطلان حكم التحكيم إلا فى الأحوال الآتية … (هـ) إذا تم تشكيل هيئة التحكيم أو تعيين المُحَكَمين على وجه مخالف للقانون أو لاتفاق الطرفين”، يدل على أن المؤهل الأساسى للمُحَكَم هو استقلاله عن طرفى التحكيم والتزامه الحياد بينهما.

وأن غياب أحدهما تترجح معه مخاطر عدم الحكم بغير ميل، كأن تتوافر لدى المُحَكَم معلومات سابقة عن النزاع نتيجة سبق تقديمه خدمات استشارية أو فنية، لأن هذه المعلومات ستكون معبرة قطعاً عن وجهة نظر طرف واحد، وهو ما يوجب على المُحَكَم أن يفصح عن أية علاقات يمكن أن تعطى انطباعاً بوجود احتمال انحياز لأحد الأطراف، ويظل هذا الواجب القانونى بالإفصاح قائماً على عاتق المُحَكَم – لما قد يُستجد من ظروف لم تكن قائمة عند قبوله التحكيم – حتى صدور حكم التحكيم.

ومن ثم فإن كتمانه لهذه الظروف أو العلاقات وعدم إفصاحه عنها لطرفى التحكيم يؤثر على مظهر الإجراءات والثقة فى عدالتها. ولما كان الثابت من الحكم المطعون فيه أن رئيس هيئة التحكيم ومحكم الشركة المطعون ضدها قد أقرا قبل الشروع فى الدعوى التحكيمية بحيدتهما واستقلالهما وعدم وجود أية ظروف من شأنها أن تثير الشك فى حيدتهما واستقلالهما، فضلاً عن قيام الأخير بالإفصاح لاحقاً عن عمله محامياً لموكل تربطه خصومة بأحد موكلى وكيل الشركة المطعون ضدها مما يضطره للقاء وكيل الشركة المطعون ضدها لإجراء المفاوضات اللازمة بشأن تلك الخصومة، وأنه لا يوجد أى تعارض مصالح، ولا شأن لذلك فى التاثير على حيدته واستقلاله (فى موضوع النزاع الراهن)، ومن ثم يكون النعى غير صحيح٠

وحيث إن الطاعنة تنعى بالشق الثانى من الوجه الثانى من السبب الأول على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون والخطأ فى تطبيقه، وفى بيان ذلك تقول إنها تمسكت أمام محكمة الموضوع بدفاع مؤداه إختصاص المحكمة المنصوص عليها بالمادة ٩ من قانون التحكيم رقم ٢٧ لسنة ١٩٩٤ بنظر طلبات رد المحكمين عملاً بالمادة ١٩ من ذات القانون وعدم جواز الإتفاق على خلاف ذلك لما فيه من مخالفة للإختصاص النوعى المتعلق بالنظام العام.

إلا أن الحكم المطعون فيه خالف هذا النظر وقضى برفض دعوى بطلان حكم التحكيم تأسيساً على أن قرار هيئة التحكيم بإحالة طلب الرد المقدم منها لإحدى اللجان التابعة لمركز القاهرة الإقليمى للتحكيم التجارى الدولى دون إحالته إلى محكمة استئناف القاهرة يوافق صحيح القانون لإتفاق الطرفين على إخضاع التحكيم للقواعد الإجرائية لهذا المركز ومنها الخاصة برد المحكمين والتى لا تتعلق بالنظام العام واعتد بإجراءات التحكيم التى اتخذت قبل رد المحكم، بما يعيبه ويوجب نقضه.

وحيث إن هذا النعى مردود، ذلك أن النص فى الفقرتين الأولى والثالثة من المادة ١٩ من القانون رقم ٢٧ لسنة ١٩٩٤ بشأن التحكيم فى المواد المدنية والتجارية المعدلة بالقانون رقم ٨ لسنة ٢٠٠٠ على أن “١ـ يقدم طلب الرد كتابة إلى هيئة التحكيم مبيناً فيه أسباب الرد خلال خمسة عشر يوماً من تاريخ علم طالب الرد بتشكيل هذه الهيئة أو بالظروف المبررة للرد، فإذا لم يتنح المحكم المطلوب رده خلال خمسة عشر يوماً من تاريخ تقديم الطلب، يحال بغير رسوم إلى المحكمة المشار إليها فى المادة (٩) من هذا القانون للفصل فيه بحكم غير قابل للطعن ٢ـ …….. ٣ـ لا يترتب على تقديم طلب الرد وقف إجراءات التحكيم.

وإذا حكم برد المحكم ترتب على ذلك اعتبار ما يكون قد تم من إجراءات التحكيم، بما فى ذلك حكم المحكمين، كأن لم يكن”، والنص فى المادة ٢٥ من ذات القانون على أن “لطرفى التحكيم الاتفاق على الإجراءات التى تتبعها هيئة التحكيم بما فى ذلك حقهما فى إخضاع هذه الإجراءات للقواعد النافذة فى أى منظمة أو مركز تحكيم فى جمهورية مصر العربية أو خارجها فإذا لم يوجد مثل هذا الاتفاق كان لهيئة التحكيم، مع مراعاة أحكام هذا القانون.

أن تختار إجراءات التحكيم التى تراها مناسبة” يدل ـــ وعلى ما أفصحت عنه المذكرة الإيضاحية لهذا القانون ـــ أن المشرع جعل تنظيم محكمة التحكيم وتشكيلها وتسمية المحكمين والشروط التى يجب توافرها فى المحكم وإجراءات رده خاضعاً لإرادة طرفى التحكيم وترك مجالاً رحباً فى كل هذه الأمور للإتفاق ولكنه أقام محكمة استئناف القاهرة المشار إليها فى المادة (٩) من هذا القانون لتكون سلطة لملء الفراغات التى تنشأ عن عدم وجود الإتفاق أو عدم تنفيذه، إذ أنه أفسح الحرية لطرفى التحكيم ـــاحتراماً لإرادتهماـــ لتنظيمه بالكيفية التى تناسبهما لكون هذه الحرية هى عماد نظام التحكيم إذا فقدها فقد هويته وكلما زاد مقدارها زادت ثقة طرفى التحكيم فيه وزاد اطمئنانهما إلى الحكم الذى ينتهى إليه، فترك المشرع للطرفين حرية إختيار القواعد التى تسرى على إجراءات التحكيم بما فيها قواعد رد المحكمين وتلك التى تطبق على موضوع النزاع.

ووضع المشرع لكل هذه الحريات قواعد احتياطية لتطبق عندما لا يوجد الاتفاق، إذ أن التحكيم فى الأساس قضاءً اتفاقياً يختاره الطرفان خصيصاً للفصل فى النزاع القائم بينهما فينبغى ألا يكون عليه سلطان إلا لما يتفق عليه الطرفان وذلك لنزول طرفيه عن حقهما فى الإلتجاء إلى القضاء العادى أو الخضوع لولايته بشأن منازعتهما. لما كان ذلك، وكان من المقرر فى قضاء هذه المحكمة أن الأصل فى القواعد الإجرائية الآمرة التى استهدفتها بعض نصوص قانون التحكيم والتى تسرى على أى تحكيم يقع داخل مصر إنما شُرعت بغية حماية إجراءات التقاضى الأساسية والتى يتعين اتباعها تحقيقاً لمقتضى المصلحة العامة.

وكان الأساس فى تقرير جزاء البطلان عند مخالفة تلك القواعد هو تحقيق الغاية من الإجراء أو عدم تحققها فى حالة النص عليه صراحة، ويُعد تفسير الغاية من الإجراء فى نطاق التحكيم مسألة قانونية يخضع فيها قاضى دعوى البطلان لرقابة محكمة النقض باعتبار أن حكم التحكيم يُعد فصلاً فى خصومة كانت فى الأصل من اختصاص القضاء، إذ من المقرر أن القواعد الإجرائية غير الآمرة والتى استهدف المشرع من نصوصها تكملة ما نقص من إرادة طرفى التحكيم لا تكون واجبة التطبيق إلا عند عدم الإتفاق عليها.

ومن ثم فلا يؤدى إغفالها إلى بطلان حكم التحكيم إذ هى مقررة فى الأصل لحماية مصلحة خاصة فإذا ما قام رضاء أطراف النزاع واتفاقهم على التنازل عنها كسبيل لحسم النزاع تعين إنفاذ ما تم الإتفاق عليه وإطراح إجراءات التقاضى العادية، فلا يسوغ إجبار الأطراف على إعمال ما اتجهت إرادتهم إلى إهماله، ولما كان إصدار حكم التحكيم هو إجراء من إجراءات الخصومة التحكيمية فإن الفصل فى مدى سلامته من عدمه يكون بالنظر إلى موافقته لقواعد القانون الإجرائى الذى يحكم إجراءات تلك الخصومة والتى تم الإتفاق عليها من قبل الأطراف، ذلك أن جزاء البطلان لمخالفة القواعد المنظمة لإجراءات إصدار حكم التحكيم إنما يكون مرجعه قواعد القانون الإجرائى الذى اتجهت إرادة طرفى التحكيم صراحة إلى إعماله على المنازعة التحكيمية دون سواه.

فإذا خلت تلك القواعد من تقرير ذلك الجزاء كان التحكيم بمنأى عن البطلان لأن التنظيم القانونى للتحكيم إنما يقوم على رضاء الأطراف وقبولهم به كوسيلة لحسم كل أو بعض المنازعات التى تنشأ بينهم بمناسبة علاقة قانونية معينة عقدية أو غير عقدية، فإرادة المتعاقدين هى التى توجد التحكيم وتحدد نطاقه من حيث المسائل التى يشملها والقانون الواجب التطبيق وتشكيل هيئة التحكيم وسلطاتها وإجراءات التحكيم، فإذا ما اتفق الأطراف على حصول التحكيم وفقاً للقواعد الإجرائية النافذة فى أى منظمة أو مركز تحكيم فى جمهورية مصر العربية أو خارجها فإن هذه القواعد تصبح جزءاً من مضمون اتفاقهم على التحكيم ذاته بما تصبح قواعد تكميلية اختيارية يلتزم بها الأطراف حتماً عند عدم تضمين اتفاقهم ما يخالفها كلياً أو جزئياً. لما كان ذلك.

وإعمالاً لما تقدم فإن اتفاق الطرفان على إخضاع التحكيم لقواعد مركز أو منظمة للتحكيم سواء فى مصر أو فى الخارج فإن هذا التحكيم يخضع لقواعد المركز الخاصة بالرد إعمالاً لنص المادة ٢٥ من قانون التحكيم المار ذكرها، فلا يجوز لأى من طرفى التحكيم عند وجود مثل هذا الإتفاق تجاهل هذه الإجراءات وتقديم طلب الرد وفقاً للإجراءات التى ينص عليها قانون التحكيم المصرى ويكون الأمر كذلك سواء جرى هذا التحكيم فى مصر أو فى الخارج وسواء كان التحكيم تحكيماً وطنياً أم تحكيماً دولياً.

فإذا كان مركز التحكيم المختار لا تتضمن لائحته إجراءات خاصة بالرد أو لم يتفق الطرفان على تطبيق القواعد الإجرائية الخاصة بهذا المركز فعندئذ تُطبق إجراءات الرد الواردة فى قانون التحكيم الواجب التطبيق فى هذه الحالة، وعلى هذا فإن التحكيم الذى يتفق الطرفان على إخضاعه لقواعد مركز القاهرة الإقليمى للتحكيم التجارى الدولى يتم رد المحكم فيه وفقاً لإجراءات الرد التى تنص عليها لائحة هذا المركز.

وإذا كان صحيحاً أن القرار الصادر فى طلب الرد يُعتبر قراراً ذا صفة قضائية والمركز أو أحد هيئاته لا يُصدر قضاء فإنه يكفى فيمن فى المركز وهو يفصل فى طلب الرد أن يحترم المبادئ الأساسية فى المواجهة واحترام حق الدفاع، وليس فى ذلك إهداراً لحق التقاضى فقد أجاز المشرع للأطراف استعمال حق التقاضى أمام هيئة التحكيم وليس أمام المحكمة وخولهم الحق فى الخضوع لنظام إجرائى لمركز تحكيم يختارونه بدلاً من إجراءات قضاء الدولة، فيكون بذلك قيام هذا المركز بتطبيق قواعده بالفصل فى طلب الرد ليس فيه مخالفة للدستور أو إخلالاً بالنظام العام فى مصر.

لما كان ذلك، وكان الثابت من أوراق الدعوى التحكيمية اتفاق طرفيها إعمالاً للشرط الوارد فى محضر الإستلام الملحق بعقد التوريد المؤرخ ٦/٨/٢٠١٧ ـــ والذى لا خلاف عليه بينهما ـــ إتفاقهما على تطبيق قواعد مركز القاهرة الإقليمى للتحكيم التجارى الدولى عند الفصل فى أى نزاع أو خلاف ينشأ بينهما فيما يتعلق بالعقد مثار التداعى، وإذ جرى التحكيم المطروح موضوع دعوى البطلان فى نطاق قواعد وإجراءات مركز القاهرة الإقليمى للتحكيم فإن الأثر المباشر الذى يترتب عليه أن تعتبر قواعده وضوابطه هى النافذة بحسبانها متممة لإتفاق طرفى التحكيم اللذين قبلوا اللجوء إليها وفق مفهوم المواد ٥، ٦، ٢٥ من قانون التحكيم رقم ٢٧ لسنة ١٩٩٤.

إذ من المقرر أن إختيار طرفى الدعوى التحكيمية إجراءات معينة للتحكيم أو الإتفاق على الخضوع لقواعد مركز معين فإن هذا الإتفاق يتضمن إعمال الضوابط الإجرائية الإتفاقية لقواعد المركز المختار ووفقاً لقواعده باعتبارها الشريعة الإجرائية الإتفاقية ومنها مسألة رد واستبدال أحد المحكمين أو هيئة التحكيم بأكملها وإزالة العقبات المثارة بشأن إجراءات الدعوى التحكيمية.

وذلك كله يتم وفقاً للقواعد المنصوص عليها بالمركز بما لا يجوز لأى من أطراف التحكيم مخالفته منفرداً والتمسك بإعمال قواعد إجرائية أخرى، إذ أن اتباع الإجراءات والقواعد المتفق عليها بنظام المركز يعد أمراً لازماً يستبعد أى دور للقضاء فى شأن تعيين ورد واستبدال المحكمين إذ يخضع ذلك كله للإجراءات الخاصة بلائحة المركز المختار فى حالة وجودها والإتفاق عليها إعمالاً لنص المادة ٢٥ من قانون التحكيم المار ذكرها باعتباره القانون الإجرائى الخاص الواجب التطبيق إعمالاً لإتفاق الأطراف وانصراف إرادتهم إليه باللجوء إلى قواعد مركز القاهرة الإقليمى للتحكيم التجارى الدولى.

وبما مفاده أنه لا مجال لتطبيق نظام وقواعد الرد الواردة فى قانون المرافعات لأن هذا النظام استبعده أطراف التحكيم مقدماً بإسناد الإختصاص إلى قواعد المركز المشار إليه فى إدارة الدعوى التحكيمية وهو اختصاص نوعى مبدئى لإجراءات دعوى التحكيم التى تجرى فى إطاره من أجل ضمان تطبيق قواعده الصادرة فى إطار القواعد الإجرائية المنطبقة متى كانت لا تتعارض مع قاعدة إجرائية آمره فى التشريع المصرى إعمالاً لحكم المادة ٢٢ من القانون المدنى، باعتبار أن نطاق الدعوى التحكيمية.

وعلى خلاف الحال فى القضاءــ يملك الأطراف فيه قدر من المرونة التى تسعها فكرة التحكيم ذاتها وطبيعتها الإتفاقية الخاصة والقواعد التى يمليها عليها، وإذ التزم الحكم المطعون فيه هذا النظر وقضى برفض دعوى البطلان على سند من أن هيئة التحكيم طبقت القواعد الإجرائية لمركز التحكيم المختار من قبل طرفى الدعوى التحكيمية فى شأن رد المحكم إعمالاً للمادة ١٣/١ منها باعتبارها القانون الإجرائى لهم فإنه يكون قد انتهى إلى نتيجة تتفق وصحيح القانون ويضحى النعى عليه فى هذا الخصوص على غير أساس.

 

وحيث تنعى الطاعنة بالوجه الأول من السبب الثانى على الحكم المطعون فيه إن هيئة التحكيم رفضت الاستجابة لطلبها فتح باب المرافعة لإلزام المطعون ضدها بتقديم المستندات الدالة على إخلالها بتنفيذ التزاماتها التعاقدية الواردة بعقد التوريد، إلا أن الحكم المطعون فيه التفت عن إيراد ذلك الدفاع أو الرد عليه مما يعيبه ويستوجب نقضه٠

وحيث إن هذا النعى مردود، ذلك لأن المقرر – فى قضاء هذه المحكمة – أن لهيئة التحكيم أن تقرر من تلقاء نفسها أو بناء على طلب من أحد الطرفين إعادة فتح باب المرافعة فى أى وقت قبل صدور قرار التحكيم إذا رأت ضرورة ذلك نظراً لوجود ظروف استثنائية، مؤداه أن قرار إنهاء الخصومة أو إعادة فتح باب المرافعة فيها هو حق أصيل بيد هيئة التحكيم تعمله من تلقاء نفسها وفقاً لظروف النزاع واكتمال أدلة الخصومة ومستنداتها٠ وإذا التفت الحكم المطعون فيه عن طلب فتح باب المرافعة ولم يرد عليه فإن ذلك هو حق أصيل للهيئة فى قبول أو رفض تلك الطلبات ويكون الحكم المطعون فيه يكون انتهى صحيحاً وفقا لصحيح القانون٠

وحيث تنعى الطاعنة بالوجهين الثانى والثالث من السبب الثانى على الحكم المطعون فيه بأن حكم التحكيم إذ أورد فى مدوناته أن قيامها بتحرير محضر التسليم مع المطعون ضدها يعد قبولاً منها لمنح المطعون ضدها مهلة إضافية لتنفيذ التزاماتها، هذا بالإضافة إلى تنازلها عن حقها فى التمسك بالشرط الجزائى وغرامات التاخير.

على الرغم من إيراده ثبوت تأخر المطعون ضدها فى تنفيذ التزاماتها التعاقدية، مما يعيبه بالتناقض فى الأسباب علاوة على مخالفته للثابت بالمستندات المقدمة منها والتى تضمنت إقرار المطعون ضدها بمسئوليتها عن التأخير فى التسليم، وأن القواعد والشروط الواردة فى عقد التوريد ومحضر التسليم التى حررتهما مع الشركة المطعون ضدها هى القانون الواجب التطبيق بشأن النزاع الماثل وإذ استبعدت هيئة التحكيم تطبيقها بشأن تأخير المطعون ضدها فى تنفيذ التزامها وحق الطاعنة فى الحصول على التعويض الإتفاقى وغرامات التأخير فمن ثم يكون حكم التحكيم باطلاً، وإذ أغفل الحكم المطعون فيه إيراد ذلك الدفاع أو الرد عليه مما يعيبه ويستوجب نقضه.

وحيث إن هذا النعى فى غير محله، ذلك أن المقرر- فى قضاء هذه المحكمة – أن التحكيم هو طريق استثنائى لفض المنازعات قوامه الخروج عن طرق التقاضى العادية وما تكفله من ضمانات، وأن التنظيم القانونى للتحكيم إنما يقوم على أن إرادة المتعاقدين هى التى توجد التحكيم وتحدد نطاقه من حيث المسائل التى يشملها والقانون الواجب التطبيق وتشكيل هيئة التحكيم وسلطاتها وإجراءات التحكيم، وأن مؤدى تحديد حالات البطلان فى المادة ٥٣ من القانون ٢٧ لسنة ١٩٩٤ بشأن التحكيم فى المواد المدنية والتجارية أنه لا يجوز الطعن بالبطلان لسبب آخر خلاف ما أورده نص هذه المادة.

وأنه إذا كان تعييب قضاء هيئة التحكيم فى موضوع النزاع والطعن فى سلامة فهمها لحقيقة الواقع فى الدعوى ورجمه بالقصور فى التسبيب والفساد فى الاستدلال فلا يتسع له مجال نطاق دعوى البطلان لما هو مقرر من أن دعوى بطلان حكم التحكيم ليست طعناً عليه بالاستئناف فلا تتسع لإعادة النظر فى موضوع النزاع وتعييب قضاء ذلك الحكم فيه، وأنه ليس لقاضى دعوى البطلان مراجعة حكم التحكيم لتقدير ملائمته أو مراقبة حسن تقدير المحكمين يستوى فى ذلك أن يكون المحكمون قد أصابوا أو أخطأوا عندما اجتهدوا فى تكييفهم للعقد لأنهم حتى لو أخطأوا فإن خطأهم لا ينهض سبباً لإبطال حكمهم لأن دعوى الإبطال تختلف عن دعوى الاستئناف.

لما كان ذلك، وكان ما تتمسك به الشركة الطاعنة طعناً على حكم التحكيم الصادر من مركز القاهرة الإقليمى للتحكيم التجارى الدولى من تعييبه بالقصور فى التسبيب والفساد فى الاستدلال وتناقض فى الأسباب هى أسباب لا يتسع لها نطاق دعوى البطلان، وتخرج عن حالاته الواردة على سبيل الحصر فى المادة ٥٣ من القانون ٢٧ لسنة ١٩٩٤ بشأن التحكيم فى المواد المدنية والتجارية، وإذ التزم الحكم المطعون فيه هذا النظر وقضى برفض دعوى بطلان حكم التحكيم فإنه يكون قد وافق صحيح القانون، ويكون النعى على غير أساس.

ولما تقدم يتعين رفض الطعن.

لــــذلــك

 

رفضت المحكمة الطعن، وألزمت الشركة الطاعنة المصروفات ومائتى جنية مقابل أتعاب المحاماة، مع مصادرة الكفالة.

 

 

 

زر الذهاب إلى الأعلى