الأصحاح الرابع – تفسير رسالة تيموثاوس الأولى – القمص أنطونيوس فكري

الإصحاح الرابع

الأعداد 1-3

الآيات (1 - 3): -

"1 وَلكِنَّ الرُّوحَ يَقُولُ صَرِيحًا: إِنَّهُ فِي الأَزْمِنَةِ الأَخِيرَةِ يَرْتَدُّ قَوْمٌ عَنِ الإِيمَانِ، تَابِعِينَ أَرْوَاحًا مُضِلَّةً وَتَعَالِيمَ شَيَاطِينَ، 2فِي رِيَاءِ أَقْوَال كَاذِبَةٍ، مَوْسُومَةً ضَمَائِرُهُمْ، 3مَانِعِينَ عَنِ الزِّوَاجِ، وَآمِرِينَ أَنْ يُمْتَنَعَ عَنْ أَطْعِمَةٍ قَدْ خَلَقَهَا اللهُ لِتُتَنَاوَلَ بِالشُّكْرِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَعَارِفِي الْحَقِّ.".

وَلكِنَّ الرُّوحَ يَقُولُ = هذه نبوءة من بولس الرسول بالروح القدس أنه في المستقبل سيقوم هراطقة ومعلمين كذبة. وهو بهذا ينبه تلميذه تيموثاوس أن يكون صاحياً مدافعاً عن الإيمان الصحيح الحق.

تَابِعِينَ أَرْوَاحًا مُضِلَّةً = إذاً الهرطقات هي من فعل الشيطان.

فِي رِيَاءِ = لهم شكل التقوى ليخدعوا البسطاء.

مَوْسُومَةً ضَمَائِرُهُمْ = أصبحت ضمائرهم كالبشرة التي تكوي بالنار أي بلا إحساس، ما عادوا يشعرون بالإثم، وتأتى سِمَة بمعني السمة التي يضعونها بالحرق علي وجوه العبيد، وهؤلاء صاروا ملكاً للشيطان وصارت لهم سمة شيطانية.

فِي الأَزْمِنَةِ الأَخِيرَةِ = هذا ما دعا إليه فعلاً ماني في القرن الثالث الذي قال أن إله الشر خلق أنواع معينة من الطعام لذلك لا يأكلونها كاللحوم والبيض. وربما تتكرر هذه الدعوة ثانية في نهاية الأيام. عموماً لقد نادي الغنوسيون بالامتناع عن الزواج وعدم أكل اللحوم بكونهما أمرين محرمين يدنسان النفس، وقد إلتزمت الفئة التي كانوا يلقبونها بالكاملين بهذا الامتناع، وربما كان بولس قد عرف بالروح بان هذا سيحدث وإستعد للرد علي هذه الهرطقات. لكن بذور هذه الأفكار الغريبة بدأت من إمتزاج الفلسفات اليونانية مع المتصوفين اليهود، وهذا كان قد بدأ أيام بولس الرسول ثم تبلور بعد هذا. أما سر تدنيسهم للزواج فعلته نظرتهم الخاطئة نحو الجسد كعنصر ظلمة يجب معاداته، وبالتالي فالعلاقات الجسدية بين الرجل وإمرأته في نظرهم تأكيد لمتطلبات الجسد الدنس، فهي دنسة إذاً، أما نظرتنا كمسيحيين فإن الزواج سر مقدس ويرمز لرابطة المسيح والكنيسة (أف 5: 32). والكاهن يستدعي الروح القدس ليحل علي الزوجين ويربط بينهما (مت 19: 5، 6)، والله هو الذي أسس الزواج من أيام آدم، والمسيح حضر عرس قانا الجليل، فالزواج مكرم والمضجع غير دنس (عب 13: 4) لكن الانحراف بالشهوات خارج الزواج هو النجاسة، والبتولية ليست إمتناعاً عن الزواج لأنه نجاسة بل البتول لا يريد أن يشغله شئ عن عريس نفسه يسوع، هى نوع من الحياة الملائكية. والكنيسة لا تعتبر أن هناك أطعمة نجسة بل هي تمنع بعض الأطعمة في فترات الصوم كتدريب للنفس وتقوية للإرادة وضبط الجسد، والصوم هو انطلاقة روحية أكثر منه نسكاً للجسد، لذا يسمح للمرضى بالإفطار حاسبين المرض نوعاً من الصوم يتقبلونه بشكر. وحينما تنتهي فترة الصوم نأكل كل شئ.

الأعداد 4-5

الآيات (4 - 5): -

"4لأَنَّ كُلَّ خَلِيقَةِ اللهِ جَيِّدَةٌ، وَلاَ يُرْفَضُ شَيْءٌ إِذَا أُخِذَ مَعَ الشُّكْرِ، 5لأَنَّهُ يُقَدَّسُ بِكَلِمَةِ اللهِ وَالصَّلاَةِ.".

هذه هي نظرة الكنيسة للمادة أياً كانت، فالله خلق كل شئ وإذا هو حسن، ولكن بالسقوط تدنست نظرة الإنسان للأشياء، الذهب هو صالح وحسن، ولكن نظرة الإنسان وفساده جعلته يؤله الذهب ويعبده كصنم.

يُقَدَّسُ بِكَلِمَةِ اللهِ وَالصَّلاَةِ = التقديس هو التدشين، فالكنائس وهياكلها والمذابح والآنية تقدس بكلمة الله، والصلاة. كذلك يُكرَّس الأساقفة والكهنة والشمامسة بكلمة الله والصلاة. وكذلك الخبز والخمر يقدسان بكلمة الله والصلاة، من هنا جاءت كلمة القداس الذي به يقدس القربان. لذلك نصلي قبل الأكل شكراً لله وتبريكاً وتقديساً للطعام، فحتى لو كان شيئاً دنساً لتقدس بالصلاة.

العدد 6

آية (6): -

"6إِنْ فَكَّرْتَ الإِخْوَةَ بِهذَا، تَكُونُ خَادِمًا صَالِحًا لِيَسُوعَ الْمَسِيحِ، مُتَرَبِّيًا بِكَلاَمِ الإِيمَانِ وَالتَّعْلِيمِ الْحَسَنِ الَّذِي تَتَبَّعْتَهُ.".

لقد تربي تيموثاوس تربية صحيحة وعليه أن ينقل الأفكار الصحيحة للناس.

مُتَرَبِّيًا بِكَلاَمِ الإِيمَانِ = لأنه تربى يهودياً.

وَالتَّعْلِيمِ الْحَسَنِ = المسيحية التى آمن بها.

إِنْ فَكَّرْتَ = ولم يقل إن أمرت، لاحظ المعاملة الرقيقة التي يجب أن تسود.

العدد 7

آية (7): -

"7 وَأَمَّا الْخُرَافَاتُ الدَّنِسَةُ الْعَجَائِزِيَّةُ فَارْفُضْهَا، وَرَوِّضْ نَفْسَكَ لِلتَّقْوَى.".

يليق بالراعي ألا يفسد وقته وفكره بالأمور المضللة كالتهود والغنوسية. فالتهود من العودة لليهودية التي شاخت بعد أن صرنا نعيش في العهد الجديد. وهي لا تحمل قوة الله فالشيخوخة رمز لإنحلال الجسد. ونحن صرنا نعيش في حياة جديدة صارت لنا في المسيح يسوع. وأفكار الغنوسية ما هي إلا خرافات.

روض نفسك للتقوى = سر التقوى كما قال الرسول فى (ص3) هو حياة المسيح فينا، وهو يقود جسدنا، فتصير أعضاءنا ألات بر. لكن جسدنا بشهواته هو كحصان جامح يحتاج ترويض ليكون سلس القيادة، وهذا معنى روِّض نفسك، مثلا بزيادة الأصوام والميطانيات والصلوات والتسابيح والتغصب على ترك متع الجسد.. إلخ.

العدد 8

آية (8): -

"8لأَنَّ الرِّيَاضَةَ الْجَسَدِيَّةَ نَافِعَةٌ لِقَلِيل، وَلكِنَّ التَّقْوَى نَافِعَةٌ لِكُلِّ شَيْءٍ، إِذْ لَهَا مَوْعِدُ الْحَيَاةِ الْحَاضِرَةِ وَالْعَتِيدَةِ.".

كان اليونانيون يهتمون بالرياضة الجسدية لتنمية أجسادهم وهذه نافعة لكن لقليل فالحياة مهما طالت فهي قصيرة جداً. وكما هو الحال في رياضة الجسد إذ يقتضي الأمر تدريبات لصقل قوي الجسد، كذلك لنمو الحياة التقوية يتطلب الأمر تدريبات لصقل طاقات النفس والروح، في الصلاة والصوم والقراءات والتأمل والتسامي ليبلغ الإنسان الحياة السماوية فتسقط عنه كل رغبة أرضية (1كو 9: 27) + (عب 5: 14) + (أع 24: 16) + (في 4: 12، 13).

التَّقْوَى = هى خوف الله بمعرفة عظمة الله وأنه سيدين الأشرار، وهي الخضوع لله ولوصاياه، وطاعته والخوف من الخطية ونتائجها. ومن أراد أن يكون قديساً عليه بأن يتدرب روحياً. وهذا واجب الأسقف أن يضع رياضات روحية لشعبه، فتحدد الكنيسة أصواماً وقداسات ونهضات.

الأعداد 9-11

الآيات (9 - 11): -

"9صَادِقَةٌ هِيَ الْكَلِمَةُ وَمُسْتَحِقَّةٌ كُلَّ قُبُول. 10لأَنَّنَا لِهذَا نَتْعَبُ وَنُعَيَّرُ، لأَنَّنَا قَدْ أَلْقَيْنَا رَجَاءَنَا عَلَى اللهِ الْحَيِّ، الَّذِي هُوَ مُخَلِّصُ جَمِيعِ النَّاسِ، وَلاَ سِيَّمَا.

الْمُؤْمِنِينَ. 11أَوْصِ بِهذَا وَعَلِّمْ. ".

9 ما هِيَ الْكَلِمَةُ الصادقة وَالمُسْتَحِقَّةٌ كُلَّ قُبُول = أن الرياضة الروحية نافعة لكل شئ، ولها المواعيد الحاضرة (نحيا هنا في فرح وبركة) والمواعيد المستقبلة (نحيا هناك فى مجد). أما الشرير فيحيا هنا فى خوف وهم وحزن وقلق، ويحيا في العذاب الأبدي منفصلاً عن الله. هذا هو عمل الرياضة الروحية الحقة، إنها تبعث في النفس روح الرجاء المفرح، فتحيا في فرح حتي في وسط ألام الجسد. ولهذا وعدنا السيد المسيح بمئة ضعف في هذا العالم (متى29: 19).

لِهذَا نَتْعَبُ وَنُعَيَّرُ = إذا آمنا بهذا الحق (أن هناك حياة أبدية للمؤمن) نقبل أن نتعب في الرياضة الروحية، بل ونقبل إضطهاد الهراطقة لنا وما يدفعنا لكل هذا رجاؤنا فى حياة أبدية، بل خبراتنا التى نختبر فيها تعزيات الله لنا وسط ألام هذا العالم، فنحمل الصليب بلذة ورجاء = أَلْقَيْنَا رَجَاءَنَا عَلَى اللهِ الْحَيِّ، الَّذِي هُوَ مُخَلِّصُ جَمِيعِ النَّاسِ = وليس لفئة محدودة كما يقول المتهودين أو الغنوسيين. ولكن لا يلمس خلاصه سوي المؤمنين = ولا سيما المؤمنين فمن يؤمن يقبل الخلاص ويتمتع به (2تس1: 8، 9) + (رؤ21: 8).

العدد 12

آية (12): -

"12لاَ يَسْتَهِنْ أَحَدٌ بِحَدَاثَتِكَ، بَلْ كُنْ قُدْوَةً لِلْمُؤْمِنِينَ فِي الْكَلاَمِ، فِي التَّصَرُّفِ، فِي الْمَحَبَّةِ، فِي الرُّوحِ، فِي الإِيمَانِ، فِي الطَّهَارَةِ.".

حين يكون قُدْوَةً لِلْمُؤْمِنِينَ ولا يستهين أحد بحداثته أي سنه الصغير.

فِي التَّصَرُّفِ = فعليه أن يتصرف بحكمة ويكون قدوة فِي الْمَحَبَّةِ = أي إتساع قلبه للجميع ولا يضيق بالمقاومين. فِي الرُّوحِ = روح التقوي والإخلاص لا ينحرف عن الخط الروحي المتزن. فِي الإِيمَانِ = بلا خوف ولا تردد.

العدد 13

آية (13): -

"13إِلَى أَنْ أَجِيءَ اعْكُفْ عَلَى الْقِرَاءَةِ وَالْوَعْظِ وَالتَّعْلِيمِ.".

يليق بالراعي أن يكون دائم النمو في حياته الداخلية، لا سيما القراءة والتعليم لنفسه، فيكون له خبرات جديدة فيتدرب ويتعلم ويدرب ويعلم الناس.

العدد 14

آية (14): -

"14لاَ تُهْمِلِ الْمَوْهِبَةَ الَّتِي فِيكَ، الْمُعْطَاةَ لَكَ بِالنُّبُوَّةِ مَعَ وَضْعِ أَيْدِي الْمَشْيَخَةِ.".

إن كان الله قد وهبنا مواهب فيلزم ألا نطمرها بل نعمل بها رابحين لتقديمها للرب مع ربحها. الْمَوْهِبَةَ الَّتِي فِيكَ = هي موهبة الوعظ مع درجة الأسقفية، الله يعطي للأسقف والكاهن والشماس مواهب بوضع اليد لكن عليهم أن يضرموا هذه المواهب بالعمل والجهاد حتي لا تذبل الموهبة.

بِالنُّبُوَّةِ = غالباً تنبأ عنه أنبياء أنه سيكون له شأن كبير أو أنه سيكون أسقفاً. وكان هذا بإرشاد إلهي مباشر. مَعَ وَضْعِ أَيْدِي الْمَشْيَخَةِ = يشير هذا لدرجة الأسقفية. المشيخة المقصود بها الكهنوت بصفة عامة.

الأعداد 15-16

الآيات (15 - 16): -

"15اهْتَمَّ بِهذَا. كُنْ فِيهِ، لِكَيْ يَكُونَ تَقَدُّمُكَ ظَاهِرًا فِي كُلِّ شَيْءٍ. 16لاَحِظْ نَفْسَكَ وَالتَّعْلِيمَ وَدَاوِمْ عَلَى ذلِكَ، لأَنَّكَ إِذَا فَعَلْتَ هذَا، تُخَلِّصُ نَفْسَكَ وَالَّذِينَ يَسْمَعُونَكَ أَيْضًا.".

اهْتَمَّ بِهذَا = الدرجة الكهنوتية ليست للكرامة وإنما لحمل المسئولية.

كُنْ فِيهِ = أي كرس كل حياتك وكل طاقاتك وكل مواهبك لحساب هذه الموهبة المجانية.

لِكَيْ يَكُونَ تَقَدُّمُكَ ظَاهِرًا فِي كُلِّ شَيْءٍ. = كل موهبة تنمو، والرسول يطالبه بالنمو في كل شئ في حياته الروحية وخبراته ودراسته وإرشاداته الروحية وتعليمه وكرازته.

وكل موهبة لا تصقل تضعف وتخمد، ولكن بالتدريب والتنمية تقوي وتمتد وتشتعل (2تى6: 1). فبالخدمة والمضايقات تفرغ الشحنة الروحية، فالخادم يصرف منها فتخمد وتضعف حرارتها فيبيت في حاجة لإعادة شحنها وتنمية رصيده بمواصلة الصلوات والخلوات الروحية وسائر التدريبات فتتجدد قوته ويكون تقدمه ظاهراً في كل شئ ينمو في حياته الروحية وينمو في بناء شعبه هذا هو جهاد الخادم.

No items found

الأصحاح الخامس - تفسير رسالة تيموثاوس الأولى - القمص أنطونيوس فكري

الأصحاح الثالث - تفسير رسالة تيموثاوس الأولى - القمص أنطونيوس فكري

تفاسير رسالة تيموثاوس الأولى الأصحاح 4
تفاسير رسالة تيموثاوس الأولى الأصحاح 4