خاص- شؤون عمانية
تعمد بعض المنصات الإخبارية والإلكترونية- أحيانا- إلى اجتزاء تصريحات المسؤولين ونشرها بطريقة تثير الجدل لتحقيق الانتشار والتفاعل الكبير. ولقد ساهمت منصات التواصل الاجتماعي في زيادة هذه الظاهرة بحثا عن “التريند”.
وغالبا ما يكون التركيز في مثل هذه الحالات على القضايا التي تمس حياة المواطن بشكل مباشر، وخصوصا فيما يتعلق بالأسعار والضرائب والفواتير والوظائف وغير ذلك، فلماذا زادت هذه الظاهرة ومن المسؤول عن هذا الأمر، وكيف يمكن مواجهته؟.
يقول حمد الصواعي، كاتب عماني، إن هذه الظاهرة تأتي في ظل منافسة يشهدها هذا العالم في كافة المجالات، مما انعكس بشكل أو بآخر على وسائل الإعلام من خلال البحث عن الإثارة والقضايا التي من شأنها تحريك المشاعر والعواطف، مما ينسجم مع الطبيعة البشرية التي تبحث عن “الأكشن والمشاهد السلبية”، لذلك تظل العلاقة بين الإعلام والحقيقة هي علاقة صراع بهدف صناعة إثارة لجذب الانتباه من خلال تجييش الرأي العام في توظيف الحقائق عبر الكلمات والجمل والمعاني في سياقات غير حقيقية ومجوفة من معانيها الصحيحة، مما يتناسب مع خيارات وأفكار وتصورات وقناعات الفئات المستهدفة التي يبحث عنها الإعلام بصفة مستمرة من خلال التسلل إلى الوعي والإدراك.
اقرأ أيضا: هل أصبحت المؤسسات الإعلامية “أحادية الاتجاه” وهل غابت الحقيقة الكاملة؟
ويضيف الصواعي أن النتيجة لذلك تكون الصراع الأزلي القائم كعلاقة جدلية بين الحقيقة ورغبات الفئة المستهدفة والإعلام، ومن خلال هذا المثلث يقع الإعلام على حساب الحقيقة في فخ وطعم رغبات وميول واهتمامات الفئات المستهدفة، وبالتالي يلجأ بطريقة أو بأخرى إلى تشويه الحقائق بهدف الشحن عبر التأثير على الوعى الجمعي للسيطرة على عقول الناس، وبعدها صناعة رأي عام موجه يطفو على سطحه السلبية بمشاهد متنوعة في مختلف القضايا على حساب الحقائق، من خلال لغة التأثير والتأثر بما يتوافق مع مصالح تلك الوسائل الإعلامية، ورغبتها في الانتشار حتى ولو على حساب المصداقية.
ويشدد الصواعي على ضرورة وجود مواد قانونية صريحة وواضحة تنال من كل من يحاول تزييف الحقائق والوقائع والقضايا بصورة غير حقيقة، لكون الإعلام الحقيقي يتسم بالمصداقية والموضوعية في الطرح البناء الهادف، وكذلك من ضمن الحلول عقد الندوات والمحاضرات التوعوية من الجهات المعنية خلال فترات زمنية مختلفة تشرح خطورة اللجوء إلى تزييف الحقائق بهدف جذب الانتباه.
عمل غير مهني
ويرى المصور الصحفي أحمد بن مال الله الفارسي، أن ما تقوم به بعض المنصات الإلكترونية ليس مهنيا وأنه في بعض الأحيان تستغل الظروف التي قد يمر بها المواطنين لجذب الانتباه وإثارة الرأي العام، وهي ممارسات لا تمت للرسالة الإعلامة أي صلة، مضيفا أنه على هذه المنصات العلم بأن المشاكل تقع في مختلف لبلدان الوالمجتمعات، وأن تناولها بشكل سلبي مرفوض ولا يمكن تقبله.
ويقول: “أرى أن هذه التصرفات أصبحت غير مسؤولة فهناك من يجتزئ من تصريحات المسؤولين أو حتى المواطنين أو الإعلاميين، ويتم تقديمها من أجل الحصول على نسب أعلى من التفاعل أو ما يسمى بـ(الإعجاب) وتنتشر هذه التصريحات بسرعة كبيرة، وقد يكون الهدف من هذه الأمور هو خدمة أهواء هذه المنصات”.
اقرأ أيضا: “أين الرقابة”؟.. مغردون يطالبون بـ”إنهاء عبث المشاهير”
ويفيد الفارسي أن الأمر وصل من بعض المنصات أن تترك ما يقال في المؤتمرات والتصريحات الصحفية من إيجابيات حتى لو كانت بنسبة 95 في المائة، والتركيز على ما نسبته 5 في المائة من أمور، لافتا إلى أن الحل لهذه المشكلة يكون من خلال وجود الرادع القانوني الصارم وفرض غرامات لإيقاف هذا التصرف غير المسؤول.
خطأ مجّرم
وتؤكد الصحفية زينب بنت خميس الزدجالية أن استخدام التصريحات الشخصية بغير موضعها الصحيح، أو اختزال الفكرة الحقيقية من وراء التصريح، خطأ تجرمه الجهات المعنية بالحقوق الفكرية والانتحالات الأدبية، لافتة إلى أن هذا الأمر أصبح في الآونة الأخيرة أمرا شائعا وخصوصا بعد ظهور مصطلح الإعلام الجديد وبالتحديد منصات التواصل الاجتماعي، التي أصبح التسابق على نقل الخبر دون التحري من مصداقيته أو الدقة في نقله قد يؤدي إلى ما لا يحمد عقباه، وأن هذا الأمر بعيد كل البعد عن أخلاقيات المهنة.
وتشير الزدجالية إلى أنه مع ارتفاع وتيرة التنافس بين المنصات الإعلامية، أصبح عدم تحري الدقة أمرا اعتياديا، وهذا ما قد يتناوله الرأي العام ويؤول عليه الكثير من الأقاويل التي قد يصدقها الكثير من أبناء المجتمع مع اختلاف وعيهم المجتمعي، فهناك الكثير من الأخبار غير الصحيحة التي تم تناقلها وأثارت حفيظة المجتمع، وغالبا ما تكون هذه الأخبار منتقاه من تصريحات مجزوءة وغير مكتملة الأركان لشخصيات اعتبارية في الدول، ونتيجتها تحقيق سعادة للناقل وامتعاض للراي العام، لأن ناقل الخبر أو التصريحات يختار ما يهم الرأي العام وتمس ضروريات حياته اليومية مثل الكهرباء والمياه وغيرها من الاهتمامات الفردية مما سيؤثر هذا الأمر على المسؤول مباشرة وإن كان ليس له يد في ذلك.
وتوضح الزدجالية أنه من الضروري وجود حلول لمثل هذه الأفعال وتجريمها وتوقيع العقوبة على الأشخاص الذين قد يزعزعون استقرار المجتمع، وترتيب عمليات التداول الإخبارية وتنظيمها بالشكل الذي يكفل وصول معلومة صحيحة ومتكاملة لديهم، وفتح باب الاقتراحات لهم بالشكل الذي قد لا يثير حفيظتهم، وإيجاد الحلول لهم في ما يتم تداوله.
وتختتم الزدجالية قولها: إن وجود المتحدث الرسمي لمختلف القطاعات هي أحد الأسباب التي من الممكن أن تردع هذه الأفعال، فبمجرد أن يتم التصريح أو نقل معلومات مغلوطة يكون جاهز للرد عليها، كما أن إيجاد قنوات تواصل بين الأطراف المعنية بالتصريح أو نشر الأخبار من الطرق الفعالة للإطاحة بمثل هؤلاء من الذين تسول نفوسهم إلى خلق البلبلة وتهييج الرأي العام.
ويروي خالد بن محمد السيابي تجربته مع المنصات الإلكترونية قائلًا: “تجربتي مع المنصات الإخبارية تجربة مزعجة؛ حيث تم أخذ تغريدة من حسابي الخاص في تويتر ونشرها على منصات متعددة مع إضافة عبارات لإضفاء المزيد من الإثارة وهي عبارات ليست ضمن التغريدة، وتم نشر تغريدتي دون إذن مني ولا حتى إخطار، نتج عن ذلك انتشار التغريدة بشكل كبير جدا لكنه مزعج جدا لي ولأسرتي بسبب بعض الردود القاسية البعيدة كل البعد عن الآداب العامة، رغم أن التغريدة عادية ولا يوجد بها أي استفزاز أو إثارة”.
ويضيف السيابي: “حقيقية لا ندري من يدير هذه المنصات، وهل لديها تصاريح رسمية؟ وأيضا نلاحظ بشكل واضح جنوح هذه المنصات إلى الإثارة من أجل الإثارة فقط، وكذلك نشر بعض الأخبار التي لا تحمل أي مصداقية ومصادرها مجهولة أحيانا، وأظن حان الوقت لتنظيم هذه المنصات بشكل قانوني”.