الشباب وآفات العصر

التحصين الفكري والثقافي للشباب من آفات العصر يشكل الأمن الوقائي و” الأس والمقام” في المعادلة البشرية وفي سلامة المجتمعات الإنسانية من خطر التطرف والإرهاب والطائفية والجهوية والقبلية.

وقد اصبح إصدارنا لتشريعات جديدة ناظمة للمجتمع, ضرورة مجتمعية وليس ترفاً تشريعياً أو قانونياً, وذلك لسد الثغرات الحياتية ومواكبة المستجدات العصرية من هذه الآفات التي تفتك بالإنسان والعمران البشري وتعمل على تفتيت الجبهة الداخلية للمجتمعات وبث روح الفرقة والتجزئة بين مكونات المجتمع وتغليب هويات فرعية على الهوية الوطنية والقومية الجامعة للأمة.

إن سيادة القانون ليس تشريعاً فحسب بل يجب إنفاذه كمطلب، وضرورة تطبيقه على الجميع، فالقوانين يمكن أن تصبح “أوهن من بيوت العنكبوت” في بعض الدول من خلال سوء التطبيق.

إن إشاعة العدل من خلال تطيبق القانون على الجميع هو سنام الدولة المدنية المنشودة وهذا بلا أدنى شك يعزز التلاحم الإجتماعي في المجتمع ويعمل على ترسيخ الوحدة الوطنية وتعزيز الهوية الوطنية الجامعة للأمة.

إن ما يسمى بالربيع الديموقراطي أو العربي أحدث شروخا وخللا بنيويا في النسيج الإجتماعي والوطني العربي, وأصاب بعض الدول في مقتل وعصف بالثوابت وداس على المحرمات الأخلاقية والإعتقادية وهذا العمل هو تطاول على مقومات وكيان الأمة العربية الأخلاقية ومنظومتها الإجتماعية والعرفية.

إن التنوع والتعدد هو سنّة الكون وهو إثراء للمشهد الإنساني والحضاري, ولكن هذه التعددية يجب أن تتحرك في إطار ودائرة الوحدة الوطنية الجامعة للأمة وفي ظل دولة القانون.

إن فهمنا للتعددية والتنوع بين مكونات وفئات المجتمع نابع من هذا التنوع وهو مصدر “قوة وإثراء وجمال” وليس مصدراً ينفذ منه إلينا المستعمر لتقسيم الأمة وتفتيتها إلى طوائف ومذاهب وقبائل للتصارع والتنازع فيما بينها، فالله سبحانه وتعالى يقول ” يَأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِن ذَكَر وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُواْ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ “.

أليس هذا الخطاب كاف وجامع للذين يسعون إلى شرذمة الأمة وتجزئتها إلى طوائف ومذاهب وحارات وإلى جماعات وأحزاب تحتكر الحقيقة لوحدها وتقصي الآخر من المشهد الإنساني، يكفرون ويفجرون ويمنحون صكوك الإيمان لمن يشاءوا ومتى شاءوا، حيث يعثون في الأرض فساداً بدواعي الإصلاح, بينما الإصلاح في واد وهم في وادٍ آخر!

إن تعزيز ثقافة العيش المشترك وترسيخ مفهوم سيادة القانون تشريعاً وإنفاذاً هو الطريق الوحيد لتصليب جبهتنا الداخلية من كيد العاديات, وهو الحل الأمثل لاستقرار وتنمية مجتمعاتنا العربية والإسلامية وتجنيبها شرور الفتن والأحتراب الداخلي.

العلماء الربانيون والمثقفون الشرفاء والكتاب الأوفياء لرسالتهم وهم كثر, آن لهم أن يخرجوا من صوامعهم ويشمروا عن سواعدهم لقيادة الأمة إلى جادة الصواب وتشكيل ثقافة جديدة تعزز من قيم المواطنة واحترام القانون ومبادئ الدولة المدنية الحديثة, فنحن في هذه الدنيا دعاة لإ قضاة, نعمل بالكلمة الصادقة الجريئة لإخراج الناس من غياهب الجهل والتخلف إلى ضياء الحق والعدل والإخاء الإنساني، من خلال الكلمة الطيبة والموعظة الحسنة للناس أجمعين.

فالله إستخلف الإنسان ليكون خليفة له في الأرض يزرع الخير في كل مكان – إيماناً وعلماً وإبداعاً مادياً ومعنوياً – وسمواً روحياً وأخلاقياً لرفعة مكانة هذا الإنسان وليؤثر في المشهد الحضاري والإنساني: فكراً وثقافةً وسلوكاً وإيماناً صادقاً للدين والحياة لا للموت .. لدين الحب لا للكراهية .. لدين التعاون لا للتناحر والإقصاء .. لدين العدل والإنصاف والإحسان لا لدين الإرهاب والتكفير والتفجير، وقبل هذا وذاك لدين له قداسته لدى بني البشر وعظمته الإلهية في الدارين في الدنيا والآخرة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى