الإنتفاضة السورية: كرة الثلج السلمية!


سلسلة  النضال السلمي: الطريق إلى الحريّة

الجزء التاسع: الإنتفاضة السورية: كرة الثلج السلمية!

يُعتبر العنف الوسيلة الوحيدة التي تستخدمها الأنظمة من أجل قمع الحركات الاحتجاجيّة السلميّة. وفي ظل تنامي استخدام العنف وعدم لجوء المحتجّين إلى العنف المضاد للدفاع عن النفس وإصرارهم على سلميّة تحرّكاتهم، يكسب هولاء تأييداً أوسع من الفئات التي تعتبر نفسها غير منخرطة في العمل المدني والسياسي. فالأفراد الذين يعتبرون أنفسهم غير معنيّين بما يجري داخل البلاد، لن يلتزموا الصمت طويلاً وهم يشاهدون مواطنيهم يُعتقلون ويُعذّبون ويُقتلون على خلفيّة مواقفهم السياسيّة. ولعلّ أبسط ما يمكنهم القيام به، هو الاهتمام أكثر بما يجري من حولهم، محاولين فهم القضيّة التي يُدافع عنها مواطنوهم هؤلاء ويدفعون حياتهم ثمناً.. لها.

Source: Flickr- by freestylee

إلى ذلك، فإن عنف النظام سيوسّع ولا شكّ دائرة خصومه. بالتالي، القرية التي يُقتل أحد أبنائها على يد جهاز الأمن، هي بلدة إضافيّة تدرج في قائمة البلدات التي يخسرها النظام في معركته من أجل البقاء. 

هذا ما جرى في سوريا، وفي محافظة درعا تحديداً. فالعنف المفرط الذي مارسه النظام في وجه المحتجّين في هذه المحافظة وقتله لعدد كبير من المدنييّن فيها، أدى في الأسابيع الأولى لبدء التحرّكات إلى ارتفاع عدد المشاركين في الاحتجاجات حيث بلغ عشرات الآلاف. استمرّت المواجهات في الأسابيع التي تلتها وراحت تتصاعد لتدفع بنائبين عن المحافظة إلى تقديم استقالتيهما من مجلس الشعب، كذلك الأمر بالنسبة إلى عدد من أعضاء مجلس المحافظة.

هكذا، خسر النظام السوري إحدى المحافظات، نتيجة لأسلوب تعاطيه مع المحتجين. واحتمال توسّع هذه الحركة أمر وارد، خصوصاً وأن العنف المستخدم في تصاعد مستمر ومتزايد.  

هذا العنف، يُقابله إصرار شعبي على سلميّة الاحتجاجات. فمنذ اللحظة الأولى، لم تغب “السلميّة” عن التحرّكات. وقد أتى شعار “سلميّة.. سلميّة” كأحد أوّل الشعارات التي صاغها المحتجّون في أوّل مسيرة عفويّة خرجت في شوارع العاصمة السوريّة دمشق. وهذا ما أدى إلى انخراط فئات مختلفة في الإنتفاضة ضد النظام الدكتاتوري الذي حكم البلاد لأكثر من 40 عاماً. وقد يُعبّر مشهد مواجهة الشباب المحتجّين الدبابات بصدورهم العارية، بهدف منعها من التقدّم في مدينة درعا، عن السلميّة التي تتمتّع بها حركتهم الاحتجاجيّة. 

المسيرة التي بدأت بعشرات المحتجّين في دمشق، امتدّت وتوسّعت لتشمل كافة الأراضي السوريّة. وقد تنامت الحركة بشكل طبيعي في البلاد. فتصاعدت المواجهة، من المطالبة بالحريّة خلال الأسابيع الأولى وصولاً إلى الهتاف لإسقاط النظام بعد مرور حوالى شهرين. 

في النموذج السوري، نلحظ الجدل المتعلّق بسلميّة أو عدم سلميّة الإنتفاضة. وهذا المعيار أصبح هو الأساسي في تأييد أو عدم تأييد الإنتفاضة. والحجّة التي يسوقها البعض ضد الانتفاضة السلميّة تقول باستخدام العنف من قبل المحتجين لإسقاط النظام.

وكان النظام البعثي قد عمد منذ اللحظة الأولى إلى اتّهام المواطنين المنخرطين في الحركة الاحتجاجيّة، بأنّهم مجرّد مجموعات مسلّحة إرهابيّة تحاول النيل من الأمن الوطني. وهذا ما دفع بالمحتجّين إلى التمسّك أكثر بشعار “سلميّة.. سلميّة”، في مواجهة الرصاص الحيّ الذي يُطلقه رجال أمن النظام وميليشياته. وقد تكون هذه العبارة التي أطلقها أحد المحتجّين “سلاحنا في وجه النظام هو هواتفنا النقالة”، خير معبّر عن قدرة هؤلاء على تعرية النظام وجرائمه.

وفي موازاة “الرواية الرسمية”، راح الإعلام الناطق باسم النظام يعرض أسبوعياً عبر شاشات التلفزة لمجموعة أو أخرى تعترف باستخدامها السلاح أثناء الاحتجاجات وبقتلها مواطنين ورجال شرطة وجيش، وذلك في محاولة لنزع الشرعيّة عن الانتفاضة وتثبيت حق النظام باستخدام العنف في وجه المحتجّين. لكن هذه المحاولات باءت دائماً بالفشل، خصوصاً وأن المشاهد المسجّلة في مختلف المدن السورية تظهر ميليشيات النظام حصراً. وحتى يومنا، لم يتأكّد بشكل قاطع وجود مسلّحين بين المحتجّين، والأمر مرتبط بالشائعات والبروباغندا التي يُطلقها النظام والتي لا يُصدّقها إلاّ محبّو “الروايات الرسميّة”.

ولا بدّ من الإشارة إلى أنّ بعض الاشتباكات العسكريّة جرت في بعض المناطق الحدودية السورية، بين مجموعات عسكريّة انشقت عن الجيش ومع فرق تابعة للجيش، وحسب بعض الجنود الذين قادوا المناوشات ضد الجيش فقد كان هدفها “تأمين ممرات آمنة لهروب المدنيين من بطش الجيش”. وهنا، تبرز عدة نقاط، أبرزها، قرار استخدام العنف ضد الجيش لم يأتِ بقرار مركزي من التنسيقيّات المحليّة التي تصدر البيانات باسم الثورة، وانّما جاء على يد مجموعة عسكرية منشقّة لتدافع عن عدد من المدنيين، أما البيانات والمواثيق الصادرة عن المحتجين والناشطين فهي واضحة فيما يتعلق برفض الانجرار إلى العنف، وعلى سلميّة الانتفاضة في وجه النظام. ومن ناحية ثانية، استخدام العنف جاء في إطار الدفاع عن النفس، وهو له سياقه الواضح والمحدود، وهو ليس جزءاً من الاستراتيجية العامة لاسقاط النظام، وهي استراتيجية النضال اللاعنفي. 

اليوم، يسجّل تصاعد في حدّة الإنتفاضة السوريّة التي راحت تعتمد أساليب نضاليّة مختلفة في مواجهة النظام. وقد يكون أبرزها التظاهرات داخل المنازل التي قام بها عدد من النساء السوريات احتجاجاً على قتل الطفل حمزة الخطيب على يد الأمن السوري بحجّة أنه “كان ينوي اغتصاب نساء الضباط”، علماً أن حمزة لم يتعدّ الخامسة عشرة من عمره.

أما أكثر الخطوات تقدميّة على صعيد مواجهة النظام، فهي البدء باللاتعاون الاقتصادي الذي يقوم على مقاطعة الشركات التابعة ل”العائلة الحاكمة” والامتناع عن دفع الفواتير والضرائب للدولة. وتأتي هذه الحملة تحت شعار “لن ندفع ثمن الرصاص لقتلنا”. 

أخيراً، أثبتت الإنتفاضة السوريّة أن المحتجين يتقنون قوانين المواجهة مع النظام القمعي… وهي ككرة ثلج صلبة تكبر يوماً بعد يوم لتشكّل نموذجاً آخراً يترجم “سلميّة النضال” من أجل الحريّة.

الكاتب: Hanibaael

Writer. Content Creator & Fire Performer

أضف تعليق