كيف يتمُّ تفسير الرؤى بقاعدة قلب المعنى الظاهر؟

الأصل أنَّ هناك رموزًا في الرؤى قد يدلُّ ظاهرها على معاني الشرِّ، أو الهمِّ، أو المصيبة، أو الفساد؛ لأنـَّها ارتبطت بهذه المعاني عند المسلمين خصوصًا (أو عند عموم الناس). وعادة ما تُفسَّر هذه الرموز في الرؤى على معاني السوء.
وعلى العكس من ذلك، فهناك رموز في الرؤى قد يدلُّ ظاهرها على معاني الخير، والسرور، والنعمة، والصلاح؛ لأنـَّها ارتبطت بهذه المعاني عند المسلمين خصوصًا (أو عند عموم الناس). وعادة ما تُفسَّر هذه الرموز في الرؤى على معانٍ طيِّبة.
ومن أمثلة رموز الرؤى التي قد يدلُّ ظاهرها عادة على معانٍ سيِّئة: شرب الخمر، والصليب، واليد المغلولة إلى العُنُق، وقتل النفس التي حرَّم الله (عزَّ وجلَّ)…إلخ.
أمَّا عن أمثلة رموز الرؤى التي قد يدلُّ ظاهرها عادة على معانٍ طيِّبة، فمنها: الجلباب الأبيض، واللِّحية، والمسبحة، والسواك، ورؤيا النبيِّ (صلَّى الله عليه وسلَّم)، وأكلُ الطعام اللَّذيذ، ودخول الجنَّة…إلخ.
ولكن الأمور لا تسير دائمًا على هذا النحو. ففي بعض الأحيان، تتحقَّق شروط معيَّنة في الرائي والرؤيا قد تَقلِب تفسيرات رموز السوء فيها إلى معانٍ طيبة، بينما قد تَقلِب تفسيرات رموز الخير فيها إلى معانٍ سيِّئة. فقد تُفسَّر رؤى شرب الخمر، والصليب، واليد المغلولة إلى العُنُق أحيانًا على معاني الخير، بينما قد تُفسَّر رؤى الجلباب الأبيض، والسواك، والمسبحة أحيانًا أخرى على معاني السوء.
ودليل هذه القاعدة هو قول الله (عزَّ وجلَّ) في شأن رؤى الصالحين: ﴿لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَياةِ الدُّنْيَا﴾ (يونس : 64)، فالصالحون مبشَّرون برؤى الخير عادة. وبالتالي فإنَّ تفسير رؤاهم محمول على معاني الخير والصلاح غالبًا، ولو فَسَد ظاهرها. وعلى العكس من ذلك، رؤى الفاسدين والمفسدين، فهؤلاء لا بشرى لهم من الله (تعالى) غالبًا، فتفسير رؤاهم محمول على معاني الشرِّ والفساد عادة، ولو صلح ظاهرها.
كذلك يدلُّ على هذه القاعدة حديث النبيِّ (صلَّى الله عليه وسلَّم) عن عائشة (رضي الله تعالى عنها) قالت: «كانت امرأة من أهل المدينة لها زوج تاجر يختلف – يعني في التجارة -، فأتت رسول الله (صلَّى الله عليه وسلَّم)، فقالت: إنَّ زوجي غائب، وتركني حاملًا، فرأيت في المنام أنَّ سارية بيتي انكسرت، وأنِّي ولدت غلامًا أعور، فقال: «خير، يرجع زوجك إن شاء الله صالحًا، وتلدين غُلامًا برًّا»، فذَكَرَت ذلك ثلاثًا، فجاءت ورسول الله (صلَّى الله عليه وسلَّم) غائب، فَسَأَلتُها، فأخبَرَتني بالمنام، فقلت: لئن صدقت رؤياك، ليموتَنَّ زوجك، وتلدين غُلامًا فاجرًا، فقعدت تبكي، فجاء رسول الله (صلَّى الله عليه وسلَّم)، فقال: «إذا عَبَرتُم (فسَّرتُم) للمسلم الرؤيا، فاعبُرُوها (ففسِّروها) على خير، فإنَّ الرؤيا تكون (تتحقَّق في الواقع) على ما يَعبُرُها (يُفسِّرها) صاحبها» (حديث حسن – فتح الباري).
فدلَّ هذا الحديث على أنَّ رؤيا المسلم الصالح ينبغي أن يتمَّ تفسيرها على معاني الخير، ولو كان ظاهرها شرًا. وبالتالي صحَّ العكس، وهو أنَّ رؤيا الشخص الفاسد ينبغي أن يتمَّ تفسيرها على معاني السوء، ولو كان ظاهرها خيرًا.
ومن الجدير بالذكر هنا أنَّ تفسير الفساد والصلاح في رموز الرؤى عادة ما يتعلَّق بالرائي، أو بمن رؤيت له الرؤيا، وليس بالرموز نفسها، بمعنى أنَّ الخمر والصليب مثلًا ليسا خيرًا، بل هما شرٌّ كبير، ولكن دلالتهما على الخير في رؤيا المسلم الصالح هي بسبب صلاحه هو، وليست لأنـَّهما خيرًا.
وكذلك فقد تدلُّ رموز الخير في الرؤيا للرائي الفاسد على الشرِّ، ولا يكون الشرُّ مُتعلِّقًا بها هي، بل يكون متعلِّقًا بفساد الرائي نفسه، فمثلًا القرآن الكريم رمز خير في الرؤيا، لكن تمَّ تفسيره في رؤيا الشخص الفاسد على معنى شرٍّ؛ لفساد الرائي، وليس لفساد الرمز.
ولكي يتمَّ تطبيق هذه القاعدة، وقلب معنى الرمز في الرؤيا سواء من خير ظاهر إلى شرِّ باطن أو من شرِّ ظاهر إلى خير باطن، فلابدَّ من توافر ثلاثة شروط مهمَّة، وهي:
1. أن يكون الرائي مُسلِمًا، مؤمنًا، صالحًا، وأن يعلم مفسِّر الرؤى بذلك، أو أن يكون الرائي شرِّيرًا فاسدًا، وأن يعلم مفسِّر الرؤى بذلك؛ بمعنى أن يكون المفسِّر عالمًا بالرائي، عارفًا بصلاحه من فساده جيِّدًا حتَّى يجوز له تطبيق هذه القاعدة بأمان. أمَّا إن كان الشخص مجهول الحال لدى مفسِّر الرؤى، أو أنَّ المفسِّر لا يستطيع التأكُّد من أحواله جيِّدًا، فالأولى ألَّا يتمُّ تطبيق هذه القاعدة.
2. ألَّا يكون الرائي مرتكبًا في الواقع للمعصية التي رآها في الرؤيا سواء رآها صراحة أو رأى ما قد يدلُّ عليها. وكذلك ألَّا يكون فاعلًا في الواقع للخير الذي رآه في الرؤيا سواء رآه صراحة أو رأى ما قد يدلُّ عليه.
فمثلًا: إذا كان الرائي مداومًا على قراءة القرآن الكريم في الواقع، ورأى ذلك في منامه، فلا ينبغي قلب تفسير هذا الرمز على الشرِّ، ولو كان في عمل الرائي فساد. وعلى النقيض من ذلك، فإذا كان الرائي مثلًا شاربًا للخمر في الواقع (عياذًا بالله تعالى)، ورأى ذلك في منامه، فلا ينبغي قلب تفسير هذا الرمز على الخير، ولو كان في الرائي صلاح.
 3. يُستَحَبُّ توافر شرط آخر في الرؤيا يزيد من ترجيح ضرورة قلب معنى رمز معيَّن فيها. وتزداد أهمِّيَّة هذا الشرط إذا كان المفسِّر لا يعلم يقينًا بصلاح الرائي أو فساده.
وهذا الشرط هو أن تكون في الرؤيا رموز معيَّنة – غير الرمز المراد قلب معناه – يمكن أن تُرجِّح ضرورة قلب تفسير الرمز السيِّء في الرؤيا إلى معنى الخير، أو قلب تفسير الرمز الجيِّد فيها إلى معنى السوء.
وعلى الرغم من أنَّ هذا الشرط ليس شرطًا ضروريًّا، وعلى الرغم من أنـَّه لا يُغنِي وحده عن الشرطين الأوَّل والثاني، إلَّا أنـَّه أفضل، وأقوى، وأقرب للصواب وللتثبُّت في تطبيق هذه القاعدة في تفسير الرؤى.
أمَّا عن الرموز التي تستخدم في عمليَّة الترجيح فهي إمَّا رموز خير أخرى أو رموز شرٍّ أخرى تحيط في الرؤيا بالرمز المطلوب قلب معناه.
ومن أهمِّ أمثلة هذه القاعدة في تفسير الرؤى، وكذلك فهو أهمُّ دليل على صحتها، هو ما جاء في الأثر أنـَّه قد «مرَّ صُهيبٌ بأبي بكر الصِّدِّيق (رضي الله تعالى عنه)، فأعرض عنه (أي أعرض صُهيب عن أبي بكر)، فقال أبو بكر له: «مالَكَ أعْرَضتَ عنِّي، أَبَلَغَكَ شيء تكرَهُه؟»، قال: «لا، والله إلَّا الرؤيا رأيتها لك كرهتها»، قال: «وما رأيت؟»، قال: «رأيت يدك مغلولة إلى عنقك على باب رجل من الأنصار يُقال له أبو الحَشر»، فقال أبو بكر: «نِعمَ ما رأيت، جُمِعَ لي ديني إلى يوم الحَشر» (أثر صحيح – فتح الباري).
ومعنى الأثر أنَّ صُهيبًا (رضي الله تعالى عنه) قد رأى رؤيا في سيدنا أبي بكر الصدِّيق (رضي الله تعالى عنه وأرضاه) أنَّ يده الشريفة مغلولة إلى عنقه على باب بيت رجل من الأنصار اسمه «أبو الحشر»، ففسَّر صُهيب هذه الرؤيا تفسيرًا مألوفًا، إذ يدلُّ المعنى الظاهر منها على إلحاق صفة البُخل المذمومة بالرائي؛ لقول الله (عزَّ وجلَّ): ﴿وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ﴾ (الإسراء : 29)، إلَّا أنَّ أبا بكر الصدِّيق (رضي الله تعالى عنه) قد قَلَبَ معنى هذا هذا الرمز من سيِّء ظاهر إلى خير باطن، ففسَّره على معنى الخير رغم السوء الواضح في ظاهره.
وبتحليل هذا الأثر، وتطبيق الشروط السابقة لقلب معنى رمز الرؤيا، يتبيَّن لنا الآتي:
1. أنَّ من رؤيت له الرؤيا صالح صلاحًا يقينيًّا معلومًا.
2. أنَّ الرائي ليس بخيلًا، فهو لا يرتكب في الواقع الشرَّ الذي قد يدلُّ عليه رمز الرؤيا.
3. أنَّ الرؤيا قد ورد فيها رمز خير يُرجِّح ضرورة قلب تفسير الرمز الآخر السيِّء إلى معنى الخير، وهو وقوف سيدنا أبي بكر الصدِّيق على باب رجلٍ من الأنصار، وهم الذين شهد لهم الرسول (صلَّى الله عليه وسلَّم) بالصلاح في قوله: «الأنصار لا يحبُّهم إلَّا مؤمن، ولا يبغضهم إلَّا منافق، فمن أحبَّهم أحبَّه الله، ومن أبغضهم أبغضه الله» (رواه البخاريُّ). فوجود بيت هذا الرجل الصالح في الرؤيا علامة قد تؤكِّد صحَّة قلب معنى الرمز السيِّء في الرؤيا إلى معنى الخير.
ملحوظة مهمَّة: في بعض الأحيان قد يكون الرائي فاسدًا أو فاجرًا وتُفسَّر بعض رؤاه على معاني الخير، وأهمُّ هذه الحالات هي الرائي المظلوم إذا كانت الرؤيا تتعلَّق بموضوع ظُلمه أو تبشِّره بعودة حقِّه إليه؛ لأنَّ هذه أمور ترتبط بالعدالة الإلهيَّة بين الناس، ولا ترتبط بالضرورة بصلاح أو فساد، يقول النبيُّ (صلَّى الله عليه وسلَّم): «دعوة المظلوم وإن كان كافرًا؛ ليس دُونَهَا حِجاب» (حديث حسن لغيره – صحيح الترغيب والترهيب)، ومن ضمن هذه الحالات أيضًا أن ترتبط بشرى لشخص فاسد بمصالح ناس مساكين أو صالحين، كأن يرى الأبُّ الفاسد في منامه البشرى بالرزق إكرامًا لزوجته الصالحة أو أولاده الضعفاء، وليس إكرامًا له، يقول النبيُّ (صلَّى الله عليه وسلَّم): «ابغوني في ضُعَفَائِكُم؛ فإنَّما تُرزقون وتُنصَرون بضُعَفَائِكُم» (حديث صحيح – صحيح الترغيب والترهيب). فعلى المفسِّر أن يتحرَّى عن هذه الأمور جيِّدًا، وأن يحتاط، وألَّا يتسَّرع بتفسير رؤى الناس على الشرِّ والعذاب، فإنَّه أهون علينا أن نُخطيء فنُبشِّر الفاجر من أن نصيب فنُحزن المؤمن.
فائدة لطيفة: يأتينا الرجل من أهل الفسوق والعصيان، فيقصُّ علينا الرؤيا السيِّئة، فنسألُه: هل ذكرت الله (تعالى) في يومك هذا، فيقول: نعم، فنسألُه: ماذا قلت؟ فيقول: قلت: بسم الله الذي لا يَضُرُّ مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم، ثلاث مرَّات، فنفسِّر له الرؤيا على احتمال الخير إكرامًا وتصديقًا لقول النبيِّ (صلَّى الله عليه وسلَّم): «ما من عبد يقول في صباح كلِّ يوم، ومساء كلِّ ليلة: بسم الله الذي لا يَضُرُّ مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم، ثلاث مرَّات، لم يضُرَّه شيء» (حديث حسن صحيح – رواه الترمذيُّ). 
والله (تعالى) أعلم. 

نُشر بواسطة Jamal Hussein

Dream interpretation researcher and analyst

لا توجد آراء بشأن "كيف يتمُّ تفسير الرؤى بقاعدة قلب المعنى الظاهر؟"

إضافة تعليق