[وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ ]


[وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ ]

يقول القس لبيب ميخائيل : [إله المسلمين ليس هو إله المسيحيين لأنه ناقض بصورة واضحة وصايا إله المسيحيين إن الله الذي يؤمن به المسلمون يختلف تماما عن إله المسيحيين في وصاياه وكلماته]([1])

القرآن يصحح ما تم تحريفه في التوراة الإنجيل ليس يناقض ما جاء فيها أما إذا كنت لا تعترف بعدم تحريف الكتاب المقدس فهذه نقطة أخري، القرآن وضح في كثير من الآيات القرآنية تحريف كتب أهل الكتاب منها([2]):

فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَـذَا مِنْ عِندِ اللّهِ لِيَشْتَرُواْ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَوَيْلٌ لَّهُم مِّمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَّهُمْ مِّمَّا يَكْسِبُونَ [ البقرة  : 79] فالقرآن لم يناقض التوراة والإنجيل الحقيقين بل يصحح ما حرفتم!

فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ لَعنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ وَنَسُواْ حَظّاً مِّمَّا ذُكِّرُواْ بِهِ

من الغريب والعجيب أنك تجد القس لبيب ميخائيل  يحاكم القرآن علي ما جاء في الكتاب المقدس ! يا سيادة القس القرآن هو الذي يحاكم كتابك وليس العكس ! وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ أي القرآن هو المهيمن والمصحح للكتب السابقة

وقبل ما أذكر تفاسير كبار العلماء للآية الكريم أحب أنبه أن المسلمين يؤمن بالكتب السابقة  التوراة التي نزلت علي موسى u والإنجيل المنزل علي عيسي u والزبور وصحف إبراهيم u إلخ الكتب المنزلة، لكن نحن نؤمن بالكتب غير المحرفة والمبدلة؛ فالقرآن الذي أمرنا بوجوب الإيمان بالكتب السابقة هو الذي أخبرنا بتحريفها؛ فنحن لا نؤمن بنشيد الإنشاد وحزقيال  وحكايات شمشون  وإنساب ملوك بني إسرائيل ! إنما يؤمنون بالكتب الذي قال الله عنها :إِنَّا  أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ

تفسير قول اللهU  :  ▬ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ

جاء في تفسير ابن كثير رحمه الله [وَقَوْلُهُ: {وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ} قَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَغَيْرُهُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ التَّمِيمِيِّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَيْ: مُؤْتَمَنًا عَلَيْهِ. وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عباس: الْمُهَيْمِنُ: الْأَمِينُ، قَالَ: الْقُرْآنُ أَمِينٌ عَلَى كُلِّ كتاب قبله.]([3])

قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ : [الْقُرْآنُ أَمِينٌ عَلَى الْكُتُبِ الْمُتَقَدِّمَةِ، فَمَا وَافَقَهُ مِنْهَا فَهُوَ حَقٌّ، وَمَا خَالَفَهُ مِنْهَا فَهُوَ بَاطِلٌ]([4])

يقول الإمام العلامة فخر الدين الرازي في المسألة عدة تفاسير وذكر منها [الْقُرْآنُ مُهَيْمِنًا عَلَى الْكُتُبِ لِأَنَّهُ الْكِتَابُ الَّذِي لَا يَصِيرُ مَنْسُوخًا أَلْبَتَّةَ، وَلَا يَتَطَرَّقُ إِلَيْهِ التَّبْدِيلُ وَالتَّحْرِيفُ عَلَى مَا قَالَ تَعَالَى: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ [الْحِجْرِ: 9] وَإذاً كَانَ كَذَلِكَ كَانَتْ شَهَادَةُ الْقُرْآنِ عَلَى أَنَّ التوراة والإنجيل والزبور حق صدق بَاقِيَةًأَبَدًا،فَكَانَتْ حَقِيقَةُ هَذِهِ الْكُتُبِ مَعْلُومَةً أبدا.]([5])

يقول شيخ الإسلام أحمد ابن تيمية: [أَنْزَلَ عَلَيْهِ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ، فَصَدَّقَ كِتَابُهُ مَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنْ كُتُبِ السَّمَاءِ، وَأَمَرَ بِالْإِيْمَانِ بِجَمِيعِ الْأَنْبِيَاءِ، وَهَيْمَنَ عَلَى مَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ، وَذَلِكَ يَعُمُّ الْكُتُبَ كُلَّهَا، شَاهِدًا وَحَاكِمًا وَمُؤْتَمَنًا، يَشْهَدُ بِمِثْلِ مَا فِيهَا مِنَ الْأَخْبَارِ الصَّادِقَةِ.]([6])

ويقول الأستاذ سيد سابق رحمه الله : [أي أن الله أنزل القرآن الكريم على النبي صلى الله عليه وسلم مقترنًا بالحق في كل ما جاء به، ومصدقًا لما تقدمه من الكتب الإلهية التي أنزلها الله على الأنبياء السابقين، ورقيبًا عليها: يقر ما فيها من حق، ويبيّن ما دخل عليها من تحريف وتصحيف؛ ثم يأمر الله نبيّه أن يحكم بين الناس مسلمين وكتابيين بما أنزل الله في القرآن متجنبًا أهواءهم.]([7])

ويقول الإمام القرطبي : [(وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ) أي عاليا عليها وَمُرْتَفِعًا. وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى تَأْوِيلِ مَنْ يَقُولُ بِالتَّفْضِيلِ أَيْ فِي كَثْرَةِ الثَّوَابِ]([8])

 وجاء في كتاب أصول الأيمان:[ا لقرآن العظيم: وهو كتاب الله الذي أنزله على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم مصدقًا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنًا عليه، وهو آخر كتب الله نزولا وأشرفها وأكملها، والناسخ لما قبله من الكتب وقد كانت دعوته لعامة الثقلين من الإنس والجن]([9])

 فالقرآن مهيمناً على الكتب السابقة حاكماً عليها، محققاً للحق الذي فيه، مبطلاً للباطل الملتصق به! ولا يجوز عقلاً أو نقلاً مقارنة أحكام القرآن بالكتاب المقدس بل العكس مراجعة الكتب السابقة من خلال نصوص القرآن

يقول العلامة رحمت الله بن خليل الهندي في كتابه الرائع إظهار الحق تعقيباً رائع([10]) :

نعم لا يوجد في القرآن:

إن النبي الفلاني زنى بابنته !

أو زنى بزوجة الغير وقتله بالحيلة!

أو عبد العجل.!

أو ارتد في آخر عمره وعبد الأصنام وبنى المعابد لها!

و أفترى على الله الكذب، وكذب في التبليغ وخدع بكذبه نبياً آخر مسكيناً وألقاه في غضب الرب!

أو أن داود وسليمان وعيسى عليهم السلام كلهم من أولاد ولد الزنا وهو فارض بن يهودا.!

 أو أن الرسول الأعظم ابن الله البكر أبا الأنبياء زنى ابنه الأكبر بزوجة أبيه !

أو أن الرسول الآخر السارق الذي كان عنده الكيس للسرقة أعني يهود الإسخريوطي.

فكل هذا لا يوجد في القرآن الكريم بل يصححه ويعترف بتحريف هذه الكتب!


[1] إلهنا ليس إلهكم، لبيب ميخائيل، صـ 5

[2] لمزيد من الأدلة على تحريف أهل الكتاب: أنظر بحثنا، هل أتاك حديث التحريف: سيصدر بعون الله بعد نشر هذا البحث مباشرة

[3] تفسير القرآن العظيم، ابن كثير، دار طيبة، الجزء 3 صـ 127

[4]  المرجع السابق صـ 128

[5] مفاتيح الغيب، فخر الدين الرازي، دار التراث العربي، الجزء 12 صـ 371

[6]  الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح، شيخ الإسلام أحمد ابن تيمية، دار العاصمة، الجزء 1 صــ 63 ؛ 64

[7] العقائد الإسلامية، سيد سابق، دار الكتاب العربي، صـــ 164

[8] الجامع لأحكام القرآن، الإمام شمس الدين القرطبي، دار الكتب المصرية، الجزء 6 صـــ 210

[9] أصول الإيمان في ضوء الكتاب والسنة، نخبة من العلماء، وزارة الشؤون الإسلامية بالسعودية، صـــ 136

[10] إظهار الحق، رحمت الله الهندي، تحقيق د.محمد خليل ملكاوي، الجزء 3 صـ 838

أضف تعليق